بالقلم الأحمر: «العانس» ومُخلّفات الصحوة!

نشر في 04-06-2025
آخر تحديث 03-06-2025 | 18:34
 الجازي طارق السنافي

ما لا يعرفه كثيرون هو أن مصطلح «عانس» لم يكن حكراً على النساء، بل كان - لغوياً وتاريخياً - شائعاً للرجال والنساء على حدٍ سواء. فقد ورد في المعاجم القديمة أن «عنَسَ الرجلُ والمرأةُ» تعني تأخر زواجهما عن السن المألوف اجتماعياً.

لكن قبل أن ندخل في صلب المقال، دعونا نصحح المصطلح «الرجعي» من الآن: وصف المرأة غير المُتزوجة هي «عازبة» لا عانس، المصطلح مشحون بكراهية اجتماعية ومليء بالتنمر والتمييز.

انتشر مؤخراً - أو لنصحح ذلك - انفجر إعلامياً، خبرٌ أو احصائية تناقلتها وسائل الإعلام عبر شبكات التواصل الإجتماعي» مفاده أن عدد «العوانس»- من النساء فقط- في الكويت تجاوز 120 ألفاً. هكذا، دون خجل أو مسؤولية لغوية، تكتب العناوين وتُطلق الإحصاءات بلا تفكير، وبلا أدنى احترام والغريب أنها موجهة لفئة واحدة فقط هي «النساء» ولكن يبدو أن القضية أعمق من مجرد مصطلح وإحصائية.

ما نعرفه فعلاً هو ومع مرور الزمن، ونتيجة هيمنة العقلية الذكورية على المجتمع والخطاب الثقافي السطحي وأدلجة الفكر وحشوها بأفكار رجعية، تم حصر هذا الوصف بالمرأة فقط، وكأنها وحدها تُدان بتأخر الزواج، بينما يُعامل الرجل الأعزب على أنه في «مرحلة راحة» أو «لم يقرر بعد»، دون أن يُلاحقه الوصم أو السخرية وهنا تتجلّى ازدواجية المجتمع، لا في اللغة فقط، بل في تقييم خيارات الأفراد ومعاييرهم الشخصية.

ما أثار الدهشة هذه المرة، أن التعليقات المستنكرة على هذا الوصف «الجاهل» لم تأت فقط من النساء، بل من فئة واعية، مثقفة، متصالحة مع اختياراتها مدركة بأن اختيارها بعدم الزواج أفضل من الزواج من «ذكر» خائب لا يعي ماهي المسؤولية ولا يمتلك صفة رجل من الأساس و-على فكرة- هذا شرف كبير للبنت لا وصمة عار مجتمعية.

غير أن اللافت – والمؤسف – أنه لا تزال هناك فئة ظهرت مجدداً من تحت رماد ما يُعرف بـ»الصحوة»، أو لنسمها بأدق توصيف: «فترة الغفوة الفكرية» التي طمست عقل الإنسان، هذه الفئة لا تزال تعاني آثاراً متعفنة من تلك المرحلة، تهاجم المرأة بشكل عام، وتنعَتُها بـ«العانس» في كل حوار، وتستخدم مفردات رنانة مثل «الزواج ستر» وكأنها تحفظ المجتمع من الانهيار. وبلا شك فإن هذه العبارات أصبحت «غير مجدية» مجتمعياً ولكن الوعي عند النساء ارتفع بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.

هؤلاء لا يحتاجون إلى نقاش، بل إلى إعادة تربية فكرية وثقافية. وإلى صدمة حضارية توقظهم من غفوتهم، لأن أفكارهم لا تُناسب حتى مجتمعات بدائية، فكيف بمجتمع حديث يُنفق على التكنولوجيا أكثر مما يُنفق على العقول؟

لقد آن الأوان أن نكفّ عن ترديد مصطلحات مريضة ولدت من أعراف مغلوطة، لا تمتّ بصلة لا للإسلام الحقيقي، ولا للمنطق البشري السليم.

بالقلم الأحمر: العازبة ليست بحاجة إلى زوج، بقدر ما بعض الذكور بحاجة إلى عقل.

back to top