دي فانس... ذكي أكثر من اللازم *
إذا كان البريطانيون قد صاغوا عبارة «ذكي أكثر من اللازم»، فإن نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، قد يُمثل النسخة السياسية الأميركية الحديثة: «ذكي بنسبة 99 في المئة أكثر من اللازم»- وهو أمر قد يدفع دونالد ترامب نفسه إلى أن يطلب منه التوقف عن «المساعدة»، خصوصاً فيما يتعلق بإرث ترامب الأهم: المحكمة العليا.
فانس أثار جدلاً كبيراً أخيراً حين انتقد ما وصفه بأنه تصريح «خاطئ للغاية» من رئيس المحكمة العليا، القاضي جون روبرتس، الذي قال إن من مهام القضاء «كبح جماح السُّلطة التنفيذية». فانس قال إن هذا «نصف الدور فقط»، أما النصف الآخر فهو «منع القضاء من حرمان الشعب الأميركي مما اختاره ديموقراطياً»، مُستشهداً بسياسات الهجرة، وطالب بمزيد من «الاحترام» لحُكم الرئيس المنتخب.
لكن فانس، خريج كلية ييل للقانون، تجاهل أو تناسى أساس النظام الدستوري الأميركي: الفصل بين السُّلطات، والتوازن بينها. فالقضاء لا يخضع لإرادة الرئيس، ولا حتى لأغلبية عابرة. وإلا لتحوَّل النظام إلى ما يُشبه فنزويلا، كما تقول الكاتبة.
القاضي روبرتس لم يقل إن وظيفة المحكمة تقتصر على «التحقق»، ولم يوجه انتقاده للرئيس تحديداً، بل قال إن من دور المحكمة أن «تفصل في القضايا»، وأثناء ذلك، قد «تكبح تجاوزات الكونغرس أو السُّلطة التنفيذية». كذلك، لم يلمِّح روبرتس إلى أن المحاكم الدنيا فوق المساءلة، فالمحكمة العليا تراجع قراراتها باستمرار، وبعض قراراتها الأخيرة سمحت للإدارة بتنفيذ سياساتها، كإقالة رؤساء الهيئات المستقلة، أو إيقاف برامج معينة، أو تعديل أوضاع حماية اللاجئين.
لكن ما يُثير القلق السياسي، هو أن هذه التصريحات من فانس تُهدد أعظم إنجاز لترامب في ولايته الأولى: تشكيل أغلبية محافظة في المحكمة العليا، والتي كانت وراء تغييرات كبرى في المشهد القانوني الأميركي، من حماية الحُريات الدينية، إلى إنهاء قضية «رو ضد ويد»، وتقييد البيروقراطية، وتوسيع حقوق التسلح، وغيرها.
القرارات القضائية المرتقبة في الولاية الثانية لترامب - إن فاز بها - ستعتمد إلى حدٍّ كبير على هذه المحكمة ذاتها. ومع تصاعد التحديات القانونية بشأن البيروقراطية، والهجرة، والرسوم الجمركية، وغيرها، فإن أي هجوم مباشر أو غير مباشر على المحكمة قد يُضعف تماسك المعسكر المحافظ. القضاة، بحُكم خبرتهم القانونية، لا ينخدعون بمناورات فكرية من هذا النوع، بل قد يشعرون بالضيق من الضغط السياسي المفرط. والأسوأ من ذلك، أن هجوم فانس يُعد بشكل غير مباشر انتقاداً لاختيارات ترامب القضائية نفسها.
ختاماً، أنصح ترامب بالتمسك بحذره السياسي المعروف في التعامل مع السُّلطة القضائية، وأن يطلب من نائبه أن يترك «اللعب مع القضاء» للرئيس نفسه، الذي يعرف متى يتحدث ومتى يصمت في هذا المضمار الحساس.
*كيم ستراسيل