ترامب وهارفارد: مَنْ يُصلح مَنْ؟

نشر في 01-06-2025
آخر تحديث 31-05-2025 | 21:08
 وول ستريت جورنال

بين دونالد ترامب وهارفارد معركة ليست سطحية ولا ظرفية. هي مواجهة بين تصورين لدور الجامعة في المجتمع الأميركي: هل هي فضاء علمي محايد، أم منصة أيديولوجية تفرض قيماً وتيارات فكرية دون مساءلة؟

في هذه المعركة، لا يلوِّح ترامب فقط بخطابه السياسي، بل يستخدم أدوات السُّلطة التنفيذية بأقصى طاقتها. وهو يفعل ذلك في وقت يتراجع رصيد الجامعات النخبوية في وجدان الأميركيين، الذين يرون فيها مؤسسات نرجسية، تتجاهل النقد، وتنفق ببذخ، فيما تغرق في سياسات الهوية وتهمّش قيم الجدارة والحُرية الأكاديمية.

وهناك ثلاثة سيناريوهات مُحتملة:

الأول، أن تستمر الجامعات الكبرى في تجاهل النقد والمراهنة على وقوف القضاء والحزب الديموقراطي إلى جانبها، حتى تعود الظروف السياسية لمصلحتها.

الثاني، أن تفرض الإدارة الأميركية وحلفاؤها من الخارج تغييرات جذرية، ولو بالقوة، في بنية هذه المؤسسات.

أما الثالث - وهو الأفضل - أن يأتي الإصلاح من الداخل، حين تتخلَّى النخب الأكاديمية عن تعاليها، وتواجه أخطاءها بصراحة.

لكن مَنْ يتأمل السنوات الأخيرة، يَصعُب عليه تصديق أن هارفارد أو غيرها من مؤسسات الصف الأول قادرة على الإصلاح الذاتي. فحتى مع انهيار الثقة العامة بها، من نحو 60 في المئة قبل عقد إلى أقل من الثلث اليوم، وفق «غالوب»، لا يبدو أن هذه المؤسسات تشعر بأي مسؤولية تجاه الرأي العام.

والبيت الأبيض لم يكتفِ بالنقد، بل شرع في حملة متكاملة ضد هارفارد شملت تحقيقات بتهم التهاون مع معاداة السامية، وإلغاء منح وتمويلات بحثية بقيمة 2.6 مليار دولار، وتهديد بإلغاء الامتياز الضريبي، وتجميد القدرة على استقبال طلاب أجانب يشكِّلون أكثر من ربع الطلبة،

فضلاً عن تعليق عقود فدرالية، وتحذير من سحب قروض طلابية.

وقد تبدو هذه الإجراءات قاسية، وربما انتقامية، لكنها تجد صدى لدى جمهور يتساءل: لماذا نُمَوِّل مؤسسات تُدرِّس أبناءنا مفاهيم مشوشة وتكافئ أساتذة يحوِّلون قاعات الدرس إلى منابر سياسية؟

ومن السهل التشكيك في نوايا إدارة ترامب، خصوصاً في ظل الخطاب التصادمي الذي يميز الرئيس السابق ومحيطه. لكن حتى مع هذا، فإن الجامعات لم تساعد نفسها. فهي تتصرَّف كأن تمويلها الفدرالي حق مُكتسب، وتبرر انفلاتها الأكاديمي باعتباره حُرية فكرية، فيما تتجاهل أن الرأي العام لم يعد يشتري هذه التبريرات.

والمؤسف أن هذه الحملة قد تُصيب أهدافاً غير مقصودة: ماذا عن الباحث في علم الجينات الذي تعتمد أبحاثه الطبية على منح فدرالية؟ هل يجب أن يدفع ثمن أخطاء مكتب النشاطات الطلابية؟ هذا النوع من العقاب الجماعي يهدد نسيج البحث العلمي في البلاد.

ما يحدث ليس مجرَّد صراع بين سياسي وجامعة، بل هو تجلٍّ لأزمة أوسع تعانيها مؤسسات المجتمع المدني الأميركي، حيث فقدت النخب قدرتها على تمثيل التيار الوسطي، وراحت تُصغي للأقليات الصاخبة على أطراف اليسار واليمين.

في هذا السياق، تبدو السياسات الشعبوية وكأنها البديل الوحيد أمام جمهور غاضب يشعر بأن «الطبيعيين» يتعرضون لهجوم دائم، وأن الاعتدال لم يعد له مكان. وهذه مأساة سياسية وأخلاقية، لأن الاختيار بين شعبوية اليمين وراديكالية اليسار هو اختيار زائف وخطير.

لا أحد يربح من تسييس التعليم العالي: لا الطالب، ولا الباحث، ولا المجتمع. الحل لا يكمن في العقاب ولا في الإنكار، بل في مكاشفة صادقة تعترف فيها الجامعات بأن سُلطة المعرفة لا تبرر العُزلة عن المجتمع، وأن تمويل الدولة لا يعني الاستقلال عن المحاسبة.

وما لم تبادر الجامعات بالإصلاح الذاتي، فإن خصومها سيستمرون في استغلال فشلها. لكن «الهدم الخلَّاق» الذي يحلم به البعض قد يدمِّر أكثر مما يصلح.

* بن ساس الرئيس السابق لجامعة فلوريدا وجامعة ميدلاند

شغل منصب عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية نبراسكا بين عامَي 2015 و2023.

back to top