جهنم ظهرت في اليمن!

نشر في 01-06-2025
آخر تحديث 31-05-2025 | 18:03
 محمد علي ثامر

على وقع المظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها العاصمة المؤقتة «عدن»، يعيش اليمنيون في أتون التغير المناخي بحذافيره، فموجات الحر التي ارتفعت خلال السنوات الأخيرة جعلت الحياة فيه لا تُطاق، وكأن العذاب وصنوفه قد كُتِبَت عليهم بطريقةٍ فجَّة، فهم بالأساس يُعانون من حروبٍ طاحنة، وتدهورٍ اقتصادي مُزمن، وأزمةٍ إنسانيةٍ متفاقمة ممتدة منذ أكثر من عقدٍ زمني ونصف، بل وتحديات تنموية مُعقَّدة ومتعددة الأوجه تستنزف مواردهم واهتماماتهم، ويزداد هذا الوضع تفاقماً أكثر فأكثر بفعل الظواهر الجوية القاسـية، وعدم انتظام سقوط الأمطار – أقل من 50 ملم سنوياً – وبالتالي يؤدي ذلك إلى تكثيف حرارة الصيف، ويُقلل من تأثيرها الطبيعي لتبريد وتلطيف الجو، يقول اليمنيون: «المطر يكسر حِدَّة الصيف، وشِدِّة البرد»، يُقابله أيضاً انهيار شبه تام للخدمات الأساسية وعلى رأسها الطاقة الكهربائية، ليجعل البلاد كلها واحدة من أكثر الدول عرضةً لتداعيات المناخ على مستوى العالم.

هذه الموجة نشعر بها هنا في العاصمة صنعاء، ذات الجو الربيعي على مدار السنة، والتي لا تتجاوز متوسط درجتها الـ 30 – 35 درجة، لنتساءل كيف حال القاطنين في المناطق الصحراوية والمدن الساحلية؟! فكلتاهما تُعانيان من ارتفاعٍ كبير في درجات الحرارة تتجاوز الـ45 درجة، وتتشاركان موجة حرٍ خانقة تُذيب من هولها الصخور، لتتحول الحياة معها إلى جحيمٍ لا يُطاق تحت سماءٍ لاهبةٍ لا ترحم، وفوق أرضٍ كأنها فجاج لا تسلم!!

وتأتي عدن – ثاني أكبر المدن اليمنية – في المقدمة، والتي تعيش وضعاً غير مسبوق، كونها أكثرها حرارةً ورطوبةً بسبب موقعها المُطل على خليج عدن ووقوعها في المنطقة المدارية، وتعاني من نقصٍ حاد في الطاقة الكهربائية شبه المنعدمة، وذات الانقطاعات المتواصلة، حيث تتجاوز ساعات الانطفاء (22) ساعة باليوم الواحد، هذا الوضع دفع بأحد أبنائها إلى القول: «نحن في جهنم التي ظهرت في اليمن!!»، ليعدُّ هذا الوصف كابوساً يُحوِّل الليالي بلا نوم إلى معاناةٍ مستمرة، يُواكبه شُح في المياه، وأسواق باتت أشبه بفرنٍ مفتوح، وأجساد يغرقها العرق والمعاناة، فلا وسائل تبريد، ولا حتى مقومات طبية، ولا أمل في تدخلٍ حكوميٍ سـريع، فالمواطن البسيط يواجه الحر والحرمان معاً!! وأظهرت صورة قيام المستشفيات بإخراج المرضى قسراً من أجنحتها ووحدات العناية المُركّزة إلى ساحاتها بسبب الحرارة الشديدة وانقطاع الكهرباء المرفقة أقوى دليلٍ وأعظم برهان، فقد كتب أحدهم عنها: «هذه الصورة ليست من غزَّة، ولا تحت نير الصهاينة، إنما هي من عدن».

وما عملته أو أجبرت عليه المستشفيات يدل على حجم الفشل الكامل في البنية التحتية للصحة العامة بالبلد، وهذا الأمر ينطبق على مثيلاتها من المدن والمحافظات كلحج وأبين وحضرموت وشبوة والمهرة والحديدة وحجَّة، التي تشهد درجات حرارة مرتفعة ورطوبة خانقة تصل مستوياتها إلى 73–80%، كما أن مدن مأرب والجوف وسيئون وغيرها تُعاني كسابقاتها، ليصبح حال اليمنيين بأن هذه الموجة من علامات يوم القيامة، وتلهج ألسنتهم بالدعاء: «اللهم أجرنا من النار».

فالبلد يُمثِّل بؤرة حقيقية للأزمة الإنسانية والمناخية، في ظل الانقسام السياسي والصِّراع الطويل، الذي حوَّل مؤسساته إلى أشباح، لنصل إلى حقيقة ناصعة، بأن المواطن اليمني لا يملك ترف التفكير في أسباب التغير المناخي، لأنه مشغول بحقيقة يومه: كيف ينجو من هذه الحرارة القاتلة؟ بل ويقف اليمن وحيداً بلا كهرباء، وبلا بنية تحتية، وبلا أمل قريب!!

* صحــافــي يـمنـــــي

back to top