ميثم الخزرجي: السرد الأدبي يتعكز على الدراما

• حاول في «متنزه الغائبين» توظيف تداعيات الاغتراب الوجودي للإنسان المعاصر

نشر في 30-05-2025
آخر تحديث 29-05-2025 | 18:56
الأديب العراقي ميثم الخزرجي
الأديب العراقي ميثم الخزرجي
في زحمة العالم الذي يفرض غياباته كقدرٍ محتوم، تأتي «متنزه الغائبين» للأديب ميثم الخزرجي كصرخة فنية تُعيد تشكيل السؤال الوجودي في قوالب سردية مدهشة. بين تقاطعات الفلسفة والتقنية، وبين صخب الواقع وصمت الأسئلة المعلَّقة، تنبثق هذه المجموعة القصصية كمرآةٍ تعكس تشظي الإنسان المعاصر وهو يصارع اغترابه الخاص. في هذا الحوار الذي أجرته معه «الجريدة»، لا نلتقي كاتباً عادياً، فهو مفكِّر يحوِّل القصة إلى مشروع ديالكتيكي، يسائل الثوابت، يفكك المسَلَّمات، ويُعيد برمجة الخلايا الضاربة في الذهن البشري عبر لغة سردية. الخزرجي لا يكتب لمتعة العبور فحسب، بل لإقلاق القارئ، وإجباره على مواجهة «المرضى» الذين يسكنوننا جميعاً: عصابات الذهن، أطياف التكنولوجيا، والأسئلة الغيبية التي تلاحقنا كظلٍّ لا يفارقنا. من سطوة الرواية إلى تحديات القصة القصيرة، من تأثير السينما إلى إشكالية التنوير، ينفتح الحوار على أبعاد إبداعية وفكرية تطرح سؤالاً جوهرياً: هل يستطيع الأدب أن يكون خلاصاً في زمن يبدو فيه العنف هو اللغة الوحيدة الباقية؟ هكذا يتحدَّث الأديب العراقي ميثم الخزرجي بجرأة الفيلسوف، وحساسية الشاعر، وقلق الإنسان الذي يحمل هموم عصره بين سطوره... وإلى نص الحوار:

• صدرت لك أخيراً مجموعة «متنزه الغائبين»، كيف تصف هذا العمل ضمن مسار تجربتك القصصية؟ وما الجديد الذي حاولت تقديمه فيه؟

- السياق العام والمتبع في مدونتي القصصية هو تفكيك السؤال الجدلي والإشكالي بعدة فنية، كوني أتعاطى مع القصة بوصفها مشروعاً لتحريك الساكن الذي تربَّع في الحتمي، واستلقى في المتوارث، ليصبح سياقاً عاماً لا مناص من مواجهته، ليشكِّل بدوره الوحدة الثقافية والاجتماعية للإنسان، بيد أن الجديد الذي حاولت أن أوظفه في مجموعة «متنزه الغائبين» هو تداعيات الاغتراب الوجودي للكائن البشري المعاصر، مع الأخذ بعين الاعتبار فاعلية السمات الإنسانية والبشرية التي يتمتع بها، وتأثيرها عبر أي وافد تكنولوجي، سواء كان ذكياً أم جدلياً.

المشاريع الأدبية ليست للمتعة فقط بل لإظهار الاعتبارات القيمية والإنسانية

وعن حقيقة النزعات النفسية التي يتعرَّض لها في ظل هذا الخلق الجديد، فقد تطرَّقت إلى ماهية المرضى الذين يعانون عصاباً ذهنياً أو متلازمات نفسية، مُستشرفاً معالجتها عبر آلية تقنية وظيفية تعيّن الخلايا الضاربة وإعادة عملها بشيفرة برمجية تُدار عن طريق لغات برمجية معينة، فضلاً عن استقراء صوت الكائن البشري السابح في الفجاج، واسترجاعه عبر وسائل معلوماتية عالية الدقة، بوصفه طاقة كامنة لا تفنى ولا تُستحدث، واستفتاء هذه النتائج على سلوك الإنسان. وتطرَّقت إلى الأسئلة الغيبية، وعلاقتها بتشكيل المنظومة الثقافية للكائن البشري. ولعلي أجد أن ثمة اختلافاً جوهرياً في هذه المجموعة من حيث الرؤية والأفكار المُتبناة والاستفهامات الدائرة التي تشيّد هوية المجتمعات.



• فكرة الغياب كموضوع، هل تمثل هاجساً شخصياً بالنسبة لك، أم تعبيراً عن حالة إنسانية أوسع؟

- الاثنان معاً، النزوع الجاد نحو هذه الموضوعة يتسلل عبر جملة من الأنساق المشكلة للوحدة الثقافية والمعرفية التابعة لي، ولا شك أنني أجد أن أي موضوعة يكتبها صاحب المدونة الجمالية تتسلل عبرها جملة من المتبنيات، وإن كانت متوارية، لكنها تُنظِم له سياقاً معيناً في ماهية الرفض والاحتجاج أو التماهي مع بعض أسئلة الواقع، وهنا يكون همّ الكتابة أشبه بالتصريح عن الأزمات البشرية التي يعانيها الإنسان المعاصر، لذا فإنني أنتمي للطرح الذي يقول إن المشاريع الأدبية ليست من وظيفتها المتعة فقط، بل إظهار الاعتبارات القيمية والإنسانية التي تسوّر الكائن البشري، فضلاً عن استجلاء جوهرها.

حقيقة سطوة الرواية

• إلى أي مدى ترى أن القصة القصيرة قادرة على حمل تعقيدات الواقع؟ وهل ما زالت تحتفظ ببريقها أمام سطوة الرواية؟

- بعد الافتضاح النسقي الذي شهده الكائن البشري المعاصر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمغذيات الإلكترونية، أصبحت الأمور ملتبسة، فما عادت التسميات مُجدية مثل الجنس الأدبي المضيء أو الشكل الأدبي الرائد، وهذه المسألة لها مسبباتها الثقافية والمجتمعية، لكني أجد أن القصة القصيرة من أصعب الأشكال الأدبية، وأهمها من حيث التقنيات الفنية، فضلاً عن عناصرها الرئيسية، التي تشكِّل سياقها العام في طريقة الكتابة. أما الرأي القائل إن هذا العصر هو عصر الرواية، فهذا أمر قابل للتشكيك من ناحية الرؤية والمفهوم، فقد أسست دور النشر والجوائز الكثيرة نظاماً معيناً يتبنى هذا الطرح، ولو اطلعت على النتاج الروائي العربي على وجه التحديد من حيث الكم، فإنك ستجد مئات من الروايات المطبوعة، لكن كم متن روائي امتلك الشرط والمعيار والاعتبارية القيمية؟!

الأدب والدراما

• نعلم أن لك اهتماماً خاصاً بالسينما والمسرح، كيف تتقاطع هذه الفنون مع كتابتك القصصية؟ وهل لها تأثير في بناء المشهد أو الشخصية؟

- السرد الأدبي بمجمله يتعكز على عنصر الدراما في تنشيط مدونته، وتفعيل حركته باتجاهات مختلفة، لذا أجد أن الوحدة الفنية الرئيسية للسينما أو المسرح، بل حتى السيناريو التلفزيوني، يتفق في نقطة جوهرية معينة، هي الفكرة، وما تتضمنه من أبعاد إنسانية أو اجتماعية، بقي لنا طريقة البناء التي تميز شكلاً أدبياً عن غيره.



• في تجربتك، هل تؤمن بأن القصة الجيدة تُكتب بالعقل أم بالإحساس؟ وما الذي يُوقظ فيك لحظة الكتابة؟

- واقعاً، المغذيات الجوهرية التي تحرضني لكتابة نص أدبي هي نظريات المعرفة، وما تتضمنه من اجتراحات ديالكتيكية قارة ومحاور جدلية شائكة تعنى بصيرورة الكائن البشري، بل حتى النصوص الواقعية التي ولدت من حمولة اليومي والمعيش مثل مجموعتي القصصية «النزوح نحو الممكن»، أو التي استدعت الأسطورة والميثولوجيا مثل مجموعتي «بريد الآلهة»، أحاول أن أزج بها أسئلة تستقرئ كنه الكائن البشري، وحقيقته، وما يحيطه من استفهامات معمّدة بالخشية، غير أني أسعى إلى تفكيك هذه الرؤى الإشكالية بعدَّة فنية، كوني أتعامل مع نص جمالي خالص له هويته الأدبية وسمته المجنّسة.



• كونك عضواً فاعلاً في نادي السرد، ما أهمية الفضاءات الأدبية الجماعية بالنسبة للكاتب؟ وهل أسهمت هذه البيئة في تطوير مشروعك الإبداعي؟

- أنا مع أي فعل ثقافي أو تجمعات تنشر الفن والجمال والمعرفة، بالتالي هذا التثاقف يعطي درساً مهماً يمكِّن الأديب من الاطلاع على تجارب مختلفة، ولا شك في أن الفضاء المعلوماتي الكبير أسهم بشكل فاعل بالتعرف على أسماء مضيئة من جميع أنحاء المعمورة.

الكاتب والتنوير

• هل تؤمن بدور الكاتب في التنوير الاجتماعي والثقافي؟ أم ترى أن مهمته تنتهي عند حدود الجمال؟

- من المفترض أن يكون الكاتب صاحب المشروع الطليعي والمشغل الثائر أحد دعاة التنوير والسعي في بناء منظومة مجتمعية متآلفة، ولو توقفنا عند النتاج الأدبي الذي وصل لنا عبر الحضارات، لوجدنا أنه يحقق هذا الشرط، لكن أريد أن أشير إلى طبيعة الوحدة العضوية المجتمعية، وفق تعبير هيغل، التي تشكل هيبة الكاتب، وتعيّن فضاءه السردي، وأنا هنا أقصد الطقس العربي، عما إذا كان يثمن الكلمة ويحقق ما يخرج من مدونة الأديب ويستقرئ حيثياتها، أم يعتبر الأدب ترفاً متمثلاً بالكسالى وأصحاب الهم الفائض عن الحاجة.

الخزرجي:القصة القصيرة من أصعب الأشكال الأدبية وأهمها من حيث التقنيات الفنية

• أخيراً، ما الذي يشغلك الآن؟ وهل لديك مشروعات أدبية قادمة يمكن أن تصدر قريباً؟

- ما يشغلني الآن هو مصير الكائن البشري المعاصر، باختلاف طوائفه وانتماءاته الإثنية والعقدية، هذه اليوميات الدموية والمرعبة المحمَّلة بالقتل والإبادة من المفترض أن نغادر دائرتها، ونتجه إلى نبذ العنف والكراهية وبناء مجتمعات متآلفة تنشد السلام. أما من ناحية النتاج الذي أنا بصدد طباعته، فهو كتاب مقاربات في المعرفة والثقافة، وهو مجموعة من المطارحات والمقالات المعرفية، وأسعى جاهداً أن أخرجه للقارئ.

back to top