صناعة المدن التاريخية!

نشر في 30-05-2025
آخر تحديث 29-05-2025 | 17:38
 بشار محمد خالد خليفوه

العناية بالمدن التاريخية هي الحفاظ على الملامح العمرانية الخاصة بها، وبناء عليه تسخر كل الدراسات والبحوث والطاقات في كيفية إعادة إحياء ما اندثر من هذه المدن، والحفاظ على العناصر التراثية الباقية منها حول أبنية وطرق تاريخية قديمة، فنكون بذلك قدمنا نموذجاً علمياً وعملياً في الحفاظ على المدينة التاريخية خدمة للتاريخ وللهوية المجتمعية التي تنبني عليها أصول وثقافة المجتمعات.

وعلى غرار ذلك هل يمكننا قاصدين العمل نحو إنشاء مدينة تاريخية من عدم، وذلك ما يمكننا أن نطلق عليه المصطلح المستحدث الجديد «صناعة المدن التاريخية»، بمعنى أننا نسعى لكسب ما يملى علينا من فوائد الاهتمام بالمدينة التاريخية الحقيقية، فيكون ذلك عائداً نافعاً على حضارة وتطور هذه المدينة التاريخية المصنوعة من عدم، مما تعود فائدته في الغاية والأهداف السامية التي تسعى إليها نظريات علم العمران في الحفاظ على إيجاد البيئة الحضارية والأخلاقية والاجتماعية السليمة لو طبقنا هذه الغاية من صناعة هذه المدينة التاريخية الجديدة!

لذلك يتبين هنا أهمية الاستفادة من المدن القديمة حتى نستطيع من خلال معطياتها وملامحها أن نوجد مدنا تاريخية مصنوعة. أي أن نجعل فيها من الأنشطة والبرامج والبيئة المتكاملة بوجود مادة ممتازة من الأبنية ذات الطراز التاريخي القديم، علاوة على إنشاء المراكز الثقافية والمتاحف والمكتبات والفنون المصاحبة لها، مما يجعلها لا تخرج عن شعور وتنظيم الأرض التاريخية، فتكون كالمدينة التاريخية تماماً، امتثالاً للواقع العمراني الذي نراه في إنشاء المدن الصحية والمدن الصناعية والمدن الرياضية والمدن الفنية والسينمائية، فنقوم بتجربة إنشاء مدينة تاريخية قائمة بمركزيتها نحو الحفاظ على هوية وثقافة المجتمع، وذلك بخلق بيئة فكرية متكاملة من المنهج القائم فيها على الطراز المعماري والتاريخي الخاص بأبنيتها والنمط العمراني الخاص بطرقها وتخطيطها، فضلاً عن إنشاء وتوزيع المكتبات والمتاحف المتنوعة فيها، فكما نرى أن المدينة الصحية قائمة على إيجاد المستشفيات ومراكز الأبحاث الخاصة بصحة الإنسان، تعمل المدينة التاريخية على غرار ونسق هذا الأمر، وذلك بإيجاد المتاحف والمكتبات الغنية بمراجعها من كتب قديمة ووثائق ومخطوطات التي تحافظ على هوية وفكر المجتمع.

في الحقيقة يمكننا تنفيذ هذه التجربة الرائعة والجديدة إن تمسكنا بالثقافة والنمط المعماري، فكل ذلك يجب تحديده قبل الدخول في أي خطوة من خطوات الصراع الذي لن ينتهي جدله إن لم نكن حددنا مسبقاً القواعد والأصول قبل أن نذهب إلى طاولة المهندس المدني، ونرسم القواعد الهندسية الأولى، ونختار أين نضع الخط الأول لهذه المدينة الفاضلة!

* باحث ومؤرخ ومتخصص في الآثار المعمارية

back to top