شوشرة: مشاعر
لا يوجد شعور يعبِّر عن فرحة الحاج وهو يؤدي المناسك، متنقلاً بين المشاعر والسعادة تسابقه، يطوف حول الكعبة المشرَّفة براحة بال وسكينة لم يشعر بهما من قبل، وفي السعي (الصفا والمروة) تنطلق قدماه بأريحية، داعياً، ومكبراً، ومستغفراً، وفي عرفات نقياً متطهراً، طالباً العفو والرضا من رب العباد. وما إن ينتقل إلى مزدلفة حتى يجد نفسه في ساحة من الفضاء يتطلَّع، ويتأمل، ويراجع، ويطلب من المولى، عز وجل، القبول، حتى يصل إلى الكعبة الشريفة، لتطوف روحه قبل قدميه، شاكراً، وحامداً رب العباد الذي اختاره لأداء هذه الفريضة. وما إن يتحلل من الإحرام حتى تزدان روحه، وتكتمل فرحته بإشراقة الوجوه التي نورها يشع بالإيمان، لتكتمل باقي الشعائر في الرجم والمبيت في منى، وصولاً إلى طواف الوداع والعودة.
ففي هذه الأيام الفاصلة في الحياة ما قبل وبعد تختلط المشاعر التي تتطهَّر معها النفوس، وتغتسل فيها الأجساد، لتمحو الذنوب، لأنها كالمولود الجديد الذي يبدأ في هذه الحياة التي نواجه فيها مختلف الاختبارات، لنثبت مدى تمسُّكنا بديننا الحنيف، والتجاوز عن السيئات وما يخالف شريعتنا أو يُدخلنا في وحل الظلمات، وبالتالي ندخل في نفق الذنوب، التي ستزداد طالما أصبح الطريق أمامها مفتوحاً إذا لم يواجهها بالإيمان وبتعاليم ديننا الإسلامي، الذي وضع النقاط على الحروف، وعلَّمنا كيف نتجاوز عن الخطايا والذنوب.
إن إعادة ضبط النفس وتنقيتها في هذه الأيام المباركة والصحوة من الغفلة والعودة إلى طريق الصلاح هي فرصة لمن لم يُكتب له الحج هذا العام، والدعاء بأن نكون ضيوف الرحمن في مواسم الحج القادمة، فلن يعرف شعور الحاج إلا الحاج نفسه، الذي يشعر بسعادة لم يشعر بها من قبل، وراحة بال واطمئنان، بعيداً عن أمور الحياة، ومطباتها، وعواصفها، وأثارها السلبية التي تضرب أعاصيرها القلوب، لتحوِّل مسارها إلى طُرق وعرة تضيق فيها الأنفس، وتبتعد عن الصواب.
إن استثمار هذه الأيام ونحن نتابع الحجاج الذين توافدوا من مختلف العالم، وهم جميعاً متساوون في الإحرام، فرصة للتمعُّن، وإعادة ضبط النفس، ومعالجة الاعوجاج، وإصلاح الأخطاء، والابتعاد عن الذنوب، وإذابة الخلافات.
فليشعر كل منا في هذه الأيام الجميلة وكأنه ضمن قوافل الحجاج، وليلتزم بأخلاقيات الحاج، حتى يعالج أخطاءه، إن وُجدت، ويُصلح من نفسه قبل فوات الأوان، لأنه لن ينفعه وقتها مال ولا بنون سوى العمل الصالح.
آخر السطر: خير الخطَّائين التوابون.