أسئلة شائكة زادتها 5 جوائز نوبل تعقيداً: الجينات والعبث بالمصير الوراثي للبشرية
خمس جوائز نوبل في السنوات الأخيرة، منحت لأبحاث رائدة في مجال الجينات وتقنيات التعديل الوراثي، مثل CRISPR. فتحت هذه الاكتشافات آفاقاً غير مسبوقة أمام العلماء، ليس فقط لعلاج الأمراض الوراثية، بل للتدخل في بنية الإنسان الجينية ذاتها. لقد أصبحت أدوات تعديل الجينات متاحة ودقيقة وسريعة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه: إلى أين يمكن أن يأخذنا هذا الطريق؟
لم يعد السؤال اليوم: «هل يمكننا؟»، بل: «هل ينبغي لنا؟»، في زمنٍ تتسارع به الاكتشافات الجينية كما لو كانت نبوءة علمية تتحقق. لقد فتح الذكاء الاصطناعي أبواباً للشفاء وأخرى للعبث لا تعرف التردد ولا التراجع، باستخدام أدوات لا تكتفي بفهم الجينات، بل تعبث بالخلق ذاته. ومع كل تقدم علمي، تتولد مسؤوليات مضاعفة، لا على العلماء وحدهم، بل على البشرية جمعاء. نحن لا نخوض رحلة طبية جديدة فحسب، بل نبدأ حقبة فلسفية تعيد تعريف الإنسان.
ما الدقة العلمية للبصمة الوراثية؟
تبلغ دقة البصمة الوراثية في الإثبات 99.99%، وفي النفي تصل إلى 100%، إلا في حالات نادرة تقدر باحتمال واحد في المليار نتيجة تلوث أو نقص في العينة. وعندما تُتخذ الإجراءات العلمية والإدارية المناسبة، فإن البصمة الوراثية تصبح أداة بالغة الأهمية في الطب الشرعي وقضايا النسب، وهذا ما تنفذه حاليا مختبرات وزارة الداخلية في الكويت بدقة تنظيمية وقانونية وعلمية (احتمال الخطأ علمياً واحد إلى مليار).
ما التحديات الطبية والبيولوجية في تعديل الجينات؟
تكمن التحديات في احتمال ظهور طفرات جينية غير متوقعة أو أخطاء في استهداف الجين المراد تعديله، مما قد يؤدي إلى أمراض مناعية أو سرطانية. الأخطر من ذلك هو انتقال هذه التعديلات إلى الأجيال القادمة دون إدراك لتأثيرها التراكمي طويل المدى. وقد يؤثر التعديل على توازن وظائف الجسم عند علاج أمراض معقدة، فتتعطل وظائف أخرى وتحدث تفاعلات ضارة على المدى البعيد.
ما خطورة التقنية المعروفة بـ «الطفل ذو ثلاثة آباء؟»
تعتمد هذه التقنية على إزالة جزء من البويضة المريضة من الأم، ونقل نواة بويضتها إلى بويضة متبرعة، تحتوي على أجزاء سليمة، ثم تلقيحها بالحيوان المنوي. هذه العملية تثير إشكالات أخلاقية وشرعية، خاصة فيما يتعلق بالهوية الوراثية والآثار الصحية المحتملة على المدى البعيد.
هل يمكن أن تسبب التعديلات الجينية اضطرابات نفسية أو سلالات مقاومة للعلاج؟
نعم، قد يخل هذا التعديل بالتوازن الكيميائي العصبي، مما يؤدي إلى اضطرابات نفسية أو عقلية، بل وقد تنشأ عنه سلالات جينية محصنة لا تستجيب للعلاج التقليدي، وهو ما يثير مخاوف علمية وإنسانية عميقة.
هل يجوز لنا تصميم أطفالنا وفق رغباتنا؟
هذا السلوك يحول الطفل إلى «منتج» يلبي رغبات الأهل، ويخالف مبدأ الكرامة الإنسانية، كما أنه يشوه العلاقة بين الوالدين والطفل، ويحمّل الطفل أعباء توقعات لا واقعية، مما يؤثر سلباً على نموه النفسي وتقديره لذاته.
هل يجوز استخدام تقنيات التعديل الجيني لإنتاج أجيال بصفات فائقة؟
رغم أن ذلك ممكن علميا لكنه مرفوض أخلاقياً. هذا التوجه يعزز التمييز الجيني ويؤسس لمجتمعات طبقية مبنية على التفوق الوراثي لا على القيم الإنسانية، كما يمكن توظيفه سياسيا أو أيديولوجيا لتعديل السمات العرقية أو السلوكية، ما يحوّل الجسد إلى وثيقة خاضعة للتعديل بحسب موازين القوى.
كيف تتفاعل الأحكام الفقهية مع التطور المتسارع في تعديل الجينات؟
يجب مواكبة الفتوى للتغيرات العلمية، مع الالتزام بمقاصد الشريعة الخمسة: حفظ الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال. من هنا جاءت دعوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية إلى فقه جماعي متجدد يجمع بين علماء الشريعة والطب والأخلاقيات، ويُقدَّم إلى مجامع فقهية كالأزهر الشريف ومجمع الفقه الإسلامي الدولي.
هل كل تغيير في خلق الله محرم؟
الإسلام لا يحظر التعديل الجيني من حيث المبدأ، بل يضع له ضوابط. التعديل لأغراض علاجية، كتشوه خلقي أو مرض وراثي قاتل، جائز، أما التعديل من أجل التفاخر أو التلاعب بالهوية، فهو محظور.
ما مدى حجية القرارات الطبية المستندة إلى الذكاء الاصطناعي؟
القرارات يجب أن تُتخذ وفق قواعد طبية واضحة ومن جهات متخصصة تضم العلماء والفقهاء، وهذا ما تبحثه المجامع الفقهية، مثل مجمع الفقه الإسلامي الدولي. لا يزال هناك جدل حول مدى موثوقية الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات طبية مصيرية.
هل يهدد تعديل الجينات مبدأ المساواة بين البشر؟
نعم، إذ قد يتحول إلى وسيلة لزيادة تفوق الأغنياء على الفقراء، ويصبح الفقراء «ناقصين جينياً»، ما يهدد مبدأ العدالة والمساواة.
هل يمكن أن تصبح تقنيات الجينات سلاحاً بيولوجياً؟
نعم، قد تُستخدم لإضعاف شعوب أو تطوير جنود معدلين جينياً. «الجيل المعدل» قد يكون قنبلة المستقبل، وتهديداً وجودياً يفوق القنابل التقليدية.
كيف تقارن مخاطر هذه التقنية بالقنبلة النووية؟
الخطر في تعديل الجينات لا يتمثل في انفجار مادي، بل في إعادة تشكيل دائمة وغير مرئية للهوية البشرية، وهو ما قد يكون أخطر من القنبلة النووية.
هل توجد آليات دولية كافية لمراقبة هذا التقدم؟
رغم وجود بعض القوانين الدولية، لكنها لا تزال قاصرة ومتفاوتة. هناك حاجة ملحة إلى «ميثاق عالمي للتقنية الوراثية»، تقوده منظمة الصحة العالمية، ويضمن التوازن بين التقدم العلمي والحماية الدينية والحقوقية للإنسان.
من سيوقف مثلث الرعب المتكون من الذكاء الاصطناعي وتعديل الجينات والرحم الصناعي؟
هذا الثلاثي يرسم ملامح مستقبل يزداد غموضاً، ويهدد بإعادة تشكيل الإنسان بعيداً عن معاييره الأخلاقية والروحية. إن لم تتدخل المؤسسات العلمية والفقهية والحقوقية بمسؤولية، فقد نجد أنفسنا أمام إنسان جديد لا نعرفه... ولا يعرفنا.
الخاتمة: في حضرة العلم... أين يقف الإنسان؟
المعضلة لم تعد أن نملك القدرة على تعديل الجينات، بل كيف نملك التواضع أمام عظمة الخالق. قد يحررنا العلم من المرض، لكنه إن فقد بوصلته الأخلاقية فسيقودنا إلى سجن جديد: سجن الإنسان المعدل. فلنبقِ العلم خادماً للإنسان، لا سيداً عليه. ولنُشرك الضمير مع المجهر، والدين مع الجين، حتى لا نفقد إنسانيتنا باسم التقدم.