حسين يفكر: الموت السريع
في زمن تتسارع وتيرة الحياة وتتزايد الضغوط اليومية، أصبح الكثير من الناس، خصوصاً فئة الشباب، يلجأون إلى مشروبات الطاقة كحلّ سريع للتغلب على التعب والإرهاق، وزيادة التركيز والإنتاجية. فبضغطة على غطاء العلبة، يحصل الشخص على مزيج «سحري» من الكافيين والسكر يمنحه شعوراً مفاجئاً بالنشاط والانتباه. لكن، خلف هذا التأثير اللحظي تختبئ أضرار صحية جسيمة، قد لا تظهر فوراً، لكنها قد تكون باهظة الثمن لاحقاً.
تشير دراسات طبية موثوقة إلى أن مشروبات الطاقة تُسبِّب بشكل مباشر اضطرابات في عمل القلب، مثل زيادة معدَّل ضرباته، وعدم انتظام النبضات، كما ترفع ضغط الدم، وتؤدي إلى ضيق الشرايين. وقد تسبَّبت هذه التأثيرات في حالات حقيقية من الذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وحتى توقف القلب المفاجئ، خصوصاً عند تناول كميات كبيرة أو الجمع بينها وبين مجهود بدني أو منبهات أخرى. هذه ليست مجرَّد احتمالات، بل وقائع تم توثيقها طبياً، مما يضع هذه المشروبات في خانة الخطر الحقيقي على صحة القلب والحياة.
ولا يقتصر ضرر مشروبات الطاقة على الجسد، بل يمتد إلى النفس والعقل. فقد أظهرت دراسة أسترالية وجود علاقة وثيقة بين تناول هذه المشروبات وارتفاع معدَّلات القلق واضطرابات النوم لدى الشباب. فبعد الانتعاش اللحظي، يشعر الشخص بإرهاق ذهني، وتوتر مستمر، ينعكس على جودة نومه وصحته النفسية.
والمعدة كذلك تتأثر سلباً، فالحموضة واضطرابات القولون من أكثر الأعراض شيوعاً بعد تناول هذه المشروبات. كما أن احتواءها على نسب عالية من السكر والأحماض يضر الأسنان بشكل مباشر، إذ يعجِّل بتسوسها، ويُضعف طبقة المينا، وفق تحذيرات الجمعية الأميركية لطب الأسنان.
ومشروبات الطاقة تحفِّز إفراز مادة الدوبامين في الدماغ، مما يولِّد شعوراً مؤقتاً بالسعادة والرضا. ومع الوقت، يعتاد الجسم على هذه الجرعة العالية من الكافيين، وتظهر أعراض انسحاب مزعجة عند محاولة التوقف، كالعصبية، والصداع، والتعب العام، الأمر الذي يجعل البعض يستهلكها بشكل يومي من دون وعي بخطورة الإدمان.
الاستهلاك المفرط، خصوصاً مع تناول أدوية أو مكملات غذائية أخرى، قد يشكِّل خطراً على الكبد والكلى، ويزيد من فرص تكوُّن الحصى وضعف وظائف هذه الأعضاء، وفق ما تشير إليه تقارير طبية متعددة.
رغم انتشارها الواسع، تبقى مشروبات الطاقة خياراً يحمل مخاطر كبيرة، خصوصاً عند استهلاكها بلا وعي.
ومع الأسف، أكتب هذه الكلمات من واقع تجربة شخصية، إذ لم أكن من مدمني مشروبات الطاقة، لكنني تناولتها لعدة أيام فقط، وبعد أسبوع واحد وجدت نفسي في العناية المركزة، نتيجة مضاعفات صحية خطيرة لم أكن أتوقعها.
لهذا، أوجه ندائي الصادق لكل شاب وشابة: توقفوا فوراً عن تناول مشروبات الطاقة، ولا تنتظروا حتى تدفعوا ثمناً باهظاً من صحتكم. الحياة لا تحتاج إلى محفزات صناعية، بل إلى وعي واهتمام بالجسد والعقل. اعتنوا بأنفسكم، واستمدوا طاقتكم من النوم الجيد، والغذاء المتوازن، والراحة النفسية، فالصحة كنز لا يُعوَّض.