تشخيص «السكري» والتفكير خارج الصندوق

نشر في 26-05-2025
آخر تحديث 25-05-2025 | 17:52
 د. حمد محمد علي ياسين

في الكويت، الأرقام وحدها كافية لقرع ناقوس الخطر: 8 من كل 10 بالغين يعانون السمنة أو زيادة الوزن، وواحد من كل خمسة أشخاص مصاب بـ «السكري». وإذا أضفنا أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا شهدت تضاعفاً في عدد المصابين بالسكري من 17 مليوناً عام 2000 إلى أكثر من 84 مليوناً في 2024، بمعدل تضاعف كل 9.4 سنوات تقريباً.

في ورشة الطب الدقيق التي نظّمتها مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية الأميركية للعلوم (NASEM)، طرحنا فكرة جريئة: هل نحتاج إلى إعادة النظر في المعدلات المرجعية التشخيصية الحالية لمرض السكري؟

ففي ظل الارتفاع المتسارع بمعدلات السمنة والسكري في الكويت والمنطقة، بدا لنا أن الاعتماد المستمر على نفس الحدود «العالمية» قد لا يعكس واقعنا الصحي بدقة، وقد يؤدي إلى تأخير التدخل الوقائي. كانت تلك الفكرة بداية نقاش علمي صريح حول جدوى استمرارنا في استخدام التعريفات نفسها، رغم تغيّر المشهد الصحي جذرياً.

المراجعة الدورية للمستويات التشخيصية ليست اختراعاً جديداً، بل ممارسة علمية تمت مراراً عبر العقود كلما تراكمت الأدلة. ففي عام 2003، تم خفض العتبة المعتمدة للجلوكوز الصيامي لتحديد مرحلة ما قبل السكري من 110 إلى 100 ملغ/دسل، كخطوة استباقية للكشف المبكر.

وبالمثل، شهد تعريف ارتفاع ضغط الدم عدة مراجعات، من 160/95 ملم زئبق إلى 130/80، تماشياً مع ما أظهرته الدراسات حول أضرار المستويات «المرتفعة قليلاً». حتى معايير التعرض للرصاص وتلوث الهواء تم تعديلها تدريجياً، وفق مبدأ وقائي بسيط: إذا ثبت أن الضرر يبدأ عند مستويات أقل، فمن المنطقي أن تبدأ الوقاية من هناك.

نعتقد أن خطر «السكري» لا يبدأ فجأة بعد الوصول إلى الحد التشخيصي الحالي، بل يتطوّر تدريجياً عبر سلسلة من التغيرات في الجسم. وقد تظهر مؤشرات مبكرة لدى بعض الأشخاص قبل أن يصلوا إلى العتبة التشخيصية الرسمية، خصوصاً في مجتمعات مثل منطقتنا التي تعاني معدلات مرتفعة للسمنة وأمراض التمثيل الغذائي.

في المقابل، نحن واعون بأن خفض المستويات التشخيصية له تبعات معقدة، فزيادة عدد المشخّصين قد ترهق أنظمة صحية تعاني أصلاً ضغطاً، كما قد تخلق عبئاً نفسياً لدى الأفراد الذين يُقال لهم إنهم «مرضى»، رغم عدم شعورهم بأي أعراض. لكننا جادلنا في الورقة أن هذه المخاوف يجب ألا تمنعنا من فتح باب النقاش، بل تحفزنا على دراسات محلية دقيقة تستند إلى بيانات سكانية وتحليلات التكلفة والمنفعة. فالسؤال لم يعد: من تجاوز الخط الأحمر؟ بل: هل الخط الأحمر في المكان الصحيح أصلاً؟

نحن بحاجة إلى سياسة صحية لا تُدار بردّ الفعل، بل تُبنى على الفعل الاستباقي والتدخل المبكر. في بيئة مثل الكويت، حيث تُسجل السمنة والسكري أرقاماً قياسية، لا يمكن أن نبقى مقيّدين بأدوات لم تُصمم لواقعنا. الوقاية ممكنة، لكنها تبدأ بالتشخيص الصحيح... وفي الوقت الصحيح.

وقد تمكّنا من نشر هذه الرؤية أخيراً في مقال علمي شاركت بتأليفه مع الزملاء د. براك الأحمد، د. فيصل الرفاعي، والبروفيسور فهد الملا، في مجلة The Lancet Diabetes & Endocrinology، المصنفة كأفضل مجلة علمية متخصصة في أبحاث «السكري» والغدد الصماء عالمياً. والهدف من نشرها كان واضحاً: فتح نقاش علمي عالمي تقوده المنطقة، لا حول علاج المرض فقط، بل حول طريقة تعريفه وتشخيصه من الأساس.

back to top