رياح وأوتاد: بين إقرار الكوادر في السابق وإلغائها اليوم
صار لي سنوات وأنا أشرح مساوئ الكوادر السابقة وأهمية البديل الاستراتيجي، لكن من دون فائدة.
في المجلس كان كثير من الأعضاء يتسابقون مندفعين انتخابياً لإقرار الكوادر لبعض الجهات الحكومية دون أخرى، غير منتبهين للأثر المالي والاجتماعي الكبير والفروق الهائلة التي ترتبت بين موظفي الحكومة، والتي أدت إلى الإخلال بالعدالة، كما أدت إلى تفعيل الواسطات والضغوط للانتقال إلى جهات ذات كوادر، في حين حل السخط والتبرم بمن لم يستطع الحصول على كادر مالي، وهم أغلبية موظفي الدولة.
ومن مظاهر هذا التسابق إقرار الحكومة كادر النفط بعد تهديد الموظفين بالإضراب.
وقال الوزير يومها إن الدولة ستخسر 300 مليون يومياً إذا تم الإضراب، وشجع بعض النواب الإضراب، فصرح أحدهم بقوله: «اضربوا ونحن معكم»، كما أقرت تلك الحكومة التي كانت تضم وزيرين من الجامعة ووزيرين من هيئة التعليم التطبيقي كادراً كبيراً لموظفي الجامعة و«التطبيقي»، دون أي اقتراح من المجلس.
وأيضاً صوّت المجلس لأول مرة وآخر مرة في تاريخ الكويت بإقرار كادر المعلمين بخمسة وأربعين صوتاً، أي أكثر من الثلثين، بعد أن أعاده سمو الأمير بمرسوم مسبب حسب المادة 66 من الدستور، وتقبلت الحكومة الأمر ولم تحل المجلس.
المهم أنه قد ازدادت نقمة الموظفين الذين لم يحصلوا على الكوادر ولا على الواسطة، خصوصاً عندما زادت تكاليف المعيشة، وتم إهمال تطبيق القانون 49 لسنة 1982، القاضي بزيادة المرتبات كل سنتين على ضوء نفقات المعيشة، كما استمر تجميد البديل الاستراتيجي.
وقد تمت دراسة البديل الاستراتيجي في ديوان الخدمة المدنية بالحكومة مع شركة عالمية متخصصة تملك معظم أسهمها هيئة الاستثمار ومقرها لندن، وتم عرضه على مجلس التخطيط عام 2016، وأقره بعد تقديم تعديلات بسيطة، وتم تحويله إلى مجلس الأمة في أولى جلسات مجلس 2016، ولكن تم إهماله وعدم إقراره في اللجنة المالية ومجلس الأمة حتى يومنا هذا، كما لم تشرّعه الحكومة، وأشاع بعض غير المتخصصين أنه سيؤدي إلى تخفيض الرواتب القائمة، وهذا غير صحيح بالمرة، مع العلم أنه لو تم إقراره منذ ذلك التاريخ لانخفضت الكلفة المالية، ولما اضطرت الحكومة إلى اتخاذ الإجراءات التي اتخذتها اليوم، والتي أدت إلى استياء كبير بين المواطنين، مما يدل على أن ارتكاب الأخطاء مكلف، ومعالجتها بعد فترة مكلفة أيضاً.
ورغم شرحي وبياني للبديل الاستراتيجي في الندوات والمقابلات والمقالات، فإنه ما زال حبيس الأدراج حتى يومنا هذا، مع أن الحكومة تملك الآن إقراره منفردة، كما تملك إجراء التعديلات المناسبة عليه.
وبالتأكيد، لا يعني رفضي للكوادر السابقة رفضي للزيادات وفق القانون 49، ولكن كان لا بد من وضع نظام شامل للرواتب يشمل كل موظفي الوزارات والهيئات المستقلة والملحقة، بحيث يتم وضع بدلات معينة لأهمية الوظيفة وندرتها ومدى الحاجة إليها وطول فترة الدوام والخطورة التي يتعرض لها العاملون، وغيرها من البدلات المهمة المحسوبة بدقة، وأعتقد أن الوقت ما زال متاحاً لإصلاح نظام الرواتب في البلاد... والله الموفق.