سورية من جديد
خلال أكثر من عقد، لم يكن ما جرى في سورية مجرَّد نزاع مسلح، بل كان انهياراً ممنهجاً تحت سطوة نظام طائفي تحالف مع ميليشيات إيرانية، استهدفت النسيج السوري، أرضاً وشعباً وهويةً. لم يكن الهدف استعادة الأمن أو الحفاظ على السيادة، كما ادَّعوا، بل تفكيك المجتمع، وتغيير تركيبته لمصلحة مشروع لا يشبه سورية ولا أهلها.
المشاهد التي رافقت تلك السنوات محفورة في الذاكرة، عائلات سورية تعبر البحر في قوارب متهالكة، لا هرباً من الفقر وحده، من البراميل المتفجرة التي تهوي على رؤوسهم، من الاعتقال العشوائي، ومن سطوة مجموعات مسلحة لا تعرف من الوطن إلا ما يخدم ولاءها الخارجي، نساء يحملن أطفالهن في خيام مهترئة، وشيوخ يمشون نحو المجهول في الأرض، ووجوه فقدت كل ملامح الأمان.
اليوم، تكتب سورية فصلاً جديداً برحيل رأس النظام، لا يفتح فقط باباً سياسياً مختلفاً، بل يطوي تاريخاً طويلاً من القمع والدم. لم يعد أحدٌ يأسف على مَنْ قاد سورية إلى هذا الدمار، بل الأسف الحقيقي على مَنْ سقطوا ضحية لحُكمه، وعلى سنوات أُهدرت من عُمر وطنٍ كان يستحق أفضل من ذلك بكثير.
لم تغب دول الخليج، وبمقدمتها المملكة العربية السعودية، عن تلك المشاهد المؤلمة التي ارتسمت في الأذهان. فقد عملت بجد في كل محفلٍ دولي لتغيير النظام الظالم الذي كان يهدِّد النسيج السوري، وما قامت به أخيراً يُعد خير دليل على استشعارها العميق بالدور الذي يجب أن تلعبه لمصلحة الشعب السوري. فمع سعيها الدؤوب لرفع العقوبات الاقتصادية عن سورية، أفسحت المجال إلى بناء سورية جديدة تضم جميع أطياف الشعب السوري دون استبعاد أحد، بعد أن كانت دولة منكوبة، ولا يكاد يلتفت إلى معاناتهم إلا مَنْ حمل في نفسه همومهم. هي دول تجمع لا تفرِّق، تبني لا تهدم بدوافع دينية وعربية أصيلة.
وشتَّان ما بين يدٍ تبني وأخرى تهدم، بين مَنْ حمل همَّ سورية في قلبه وسعى لتضميد جراحها، وبين مَنْ جاء حاملاً معوله، يهدم ما تبقَّى من أمل في نفوس أهلها.