الرعيل الأول بناة الوطن! وغزة المحررة

نشر في 21-05-2025
آخر تحديث 20-05-2025 | 21:01
 د. محمد المقاطع

لا تجد في مفردات اللغة العربية كلمة توفي الرعيل الأول من مؤسسي الكويت حقهم وتصف ضنك العيش الذي عانوه والجلَد والصبر الذي كابدوه! وكيف أنهم قد عايشوا أهوال البحر ومخاطره وقسوة الطبيعة وحرارة الطقس، حتى يكوّنوا وطناً.

لقد كانت تمرّ بأرض الكويت القوافل والهجرات مرور الكرام، من دون أن تستوطنها، إدراكاً منهم أن إقامة حاضرة أو مدينة أو دولة على بقعة الأرض هذه ضرب من الخيال وربما ضرب من المستحيل.

وعلى الرغم من كل تلك الحقائق بشأن الصعاب الجمّة وأحوال الصحراء القاحلة وأهوال البحر الطاردة، والمخاطر المتعددة للرقعة الجغرافية المُسماة الكويت، فقد تمكّن الرعيل الأول من بناء وتشييد وطنهم الكويت على هذه الرقعة الجغرافية القاحلة والطاردة، ولم يكتفوا بذلك، بل حصّنوا وطنهم بأسوار متعددة لحمايته والدفاع عنه، فكان السور الأول، وتبعه السور الثاني، ولحقهما السور الثالث، وانتهى الأمر بالسور الرابع! فضلاً عن خوض المعارك والحروب للدفاع عن وطنهم ضد الغزاة والطامعين من جهة، وضد المرتزقة المأجورين من جهة أخرى، فاستُشهد منهم من استُشهد وبقي على قيد الحياة من بقي. ومرّت عليهم سنوات عجاف من الطاعون والقحط والأمطار الغزيرة التي هدمت بيوتهم المبنية من الطين (سنة الهدامة).

أجيال المؤسسين ترتد إلى منتصف القرن الثامن عشر وتمتد إلى بداية القرن العشرين، أي ما بين 1900 و1920، حينما لم يكن أحد يلتفت أو يهتم لفكرة العيش بالكويت.

ثم أنعم الله على الكويت وأهلها باكتشاف النفط في بداية العقد الثالث من القرن العشرين، وإلى ذلك التاريخ، وحتى 1940 - 1945، كانت الكويت لا تزال طاردة لا جاذبة، وبعد 1945 بدأت عوائد النفط تتدفق وأحوال الناس المعيشية والاجتماعية تتغير، فتدافعت منذ ذلك التاريخ هجرات مشروعة وأخرى غير مشروعة، تلتها في الفترة من 1948 وحتى 1965 موجات هجرة بشرية ضخمة، رغبةً في تحسين معيشتها بالكويت، وهو أمر مشروع ولا تثريب عليه، لكن كان ضمن موجات الهجرات البشرية تلك، أناس ومجاميع جاءت بنيّات أخرى، منها الطمع أو ادعاء المواطنة، أو التفنن والتخفّي للتمتع بخيرات بلد لا ينتسبون له، ولا روابط حقيقية لهم به، ومن يراجع إحصائيات 1948، ثم 1957، ثم 1965، يلحظ هذه الظاهرة، التي تشتد وطأتها وكثافتها عند مقارنتها بإحصائيات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، والأخطر يتكشف عند المقارنة مع إحصائيات ما بعد التحرير (1991)، وإحصائيات القرن الحادي والعشرين، التي جاءت مخيفة وفاضحة لتلك المجاميع الطامعة والمدّعية والمنتسبة، والتي ادّعت الجنسية أو حصلت عليها فعلاً بطرق غير سوية ولا مقبولة، فضلاً عن تلك الطرق غير المشروعة.

ويظل الرعيل الأول وأبناؤهم وأحفادهم، بناء على تلك الاعتبارات والحقائق الواقعية والتاريخية، هم من ارتبط بالكويت انتماءً وولاءً واتخذها وطناً بلا مصلحة ولا غاية غير أنهم جزء لا يتجزأ منها، وآخر همّهم التمتع بخيراتها - رغم استحقاقهم ذلك - لوطن كما أسّسوه وصبروا على أحواله وأهواله ومخاطره يوم كان العيش فيه عزيزاً وقاسياً، وليس مطمعاً أو مكسباً.

***

غزة المحررة

أكثر أمر يخيف الصهاينة في كيانهم اللقيط المغتصب لأرض فلسطين، فلسطين التي ادّعوا أنها أرض بلا شعب، وأنهم شعب بلا أرض، أقول أكثر ما يخيفهم هو ذلك الصمود الأسطوري لأهل غزة في أرضهم - فلا أرض بديلة لهم عن فلسطين - هذا الصمود متى ما صاحبته مقاومة وطنية جسورة وبإصرار وعناد وطني، كما نراه في غزة اليوم، فإن ذلك يرعب الصهاينة ويخيفهم، خصوصاً بعد انكشاف جرائمهم في الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتطهير العرقي والتقتيل والتنكيل والتجويع اليومي، قد هزمتهم المقاومة، رغم مُضي 19 شهراً على حربهم وآلياتهم وعتادهم الفتّاك.

نعم، استمرار المقاومة وإصرارها يعني فشل مشروعهم ومخططهم وزوال كيانهم، وستكون غزة، المُحررة، بإذن الله، هي بداية فلسطين المحررة، وما التحول في الموقف الأوروبي إلا خير دليل على ذلك.

فيا ليت قومي يفيقون ويدعمون المقاومة بدلاً من خذلانها أو تخوينها.

back to top