من خور عبدالله إلى الشرع... لماذا لم تأتِ القمة كما أرادها العراق؟
لا أملك ترف الصمت حين تُمس كرامة وطني أو تُختبر علاقاته مع محيطه العربي ضمن مناورات سياسية لم تراعِ ثقل الجغرافيا ولا إرث الأخوّة. قمة بغداد التي التأمت أمس الأول كانت فرصة ثمينة للعراق الشقيق كي يعلن عودته الكاملة إلى الحاضنة العربية من موقع فاعل ومطمئن، لكنها كانت أيضاً فرصة مهدورة لتثبيت مصداقية طالما انتظرناها، لا سيما في الملفات العالقة التي تمس الجوار المباشر.
لم يكن غريباً بالنسبة لي كمتابع للشأن العربي أن يأتي مستوى التمثيل في القمة العربية الرابعة والثلاثين بهذا الشكل المتواضع، لكن ما يُثير القلق أن البعض لا يريد الاعتراف بأن الرسائل التي سبقت القمة، خصوصاً تلك المتعلقة بملف خور عبدالله، قد سبَّبت شرخاً حقيقياً في وجدان الشارع الكويتي، ليس فقط على مستوى النخبة السياسية، بل لدى المواطن العادي الذي تابع تفاصيل هذا الملف بشعور من الأسى والخذلان.
كيف يُعقل أن يُتهم بلدٌ مثل الكويت، الذي لم يوفِّر جهداً في دعم العراق بعد كل أزمة، بالخضوع أو التفريط في حدوده، في حين أن الاتفاقات والمواثيق تمَّت بمباركة أممية، وبإجماع عربي، وهل من المقبول أن تُترك هذه الاتهامات دون تفنيد رسمي في توقيت حساس يسبق قمة عربية يُفترض بها أن تعزز، لا أن تُضعف الثقة بين الأشقاء؟
العراق بلد شقيق، وتربطنا به روابط تاريخية وجغرافية لا يمكن إنكارها، لكن الأخوّة لا تعني أن نصمت عن الإساءات، أو أن نغض الطرف عن محاولات كسب شعبية محلية على حساب علاقات دولية راسخة، فالدبلوماسية الحقيقية التي يُفترض أن تسود في مثل هذه القمم تبدأ باحترام المواثيق، وتنتهي عند حدود كرامة الجار.
كما لا يمكن تجاهل موقف العراق المتأرجح من المشاركة السورية، فبين دعوة وجهت إلى الرئيس أحمد الشرع، وغموض رافق موقف بغداد السياسي من الأزمة السورية، بدت القيادة العراقية وكأنها تحاول الوقوف على الحياد، فيما كانت النار تشتعل تحت أقدامها. هذا التردد، وهذا الغياب للوضوح، لا يُبنى عليه دور قيادي، بل يُفرز قلقاً، ويبعث برسائل متناقضة.
قمة بغداد لم تكن اختباراً للوجستيات، ولا للضيافة، بل كانت امتحاناً لموقع العراق السياسي، اليوم هل هو قادر على طمأنة حلفائه؟ هل يريد فعلاً بناء علاقات ندية ومسؤولة، أم أنه لا يزال يعيش في دائرة الحسابات الضيقة وردود الفعل المحلية؟
وبعد كل هذا، لا أملك إلا أن أدعو القيادة العراقية إلى وقفة مراجعة حقيقية، فالعراق عزيز على قلوبنا، لكن العزَّة لا تعني الصمت عن مواقف تُخدش فيها الثقة، ولا عن تصريحات تُقرأ كإشارات سلبية نحو مستقبل العلاقة.
نحن لا نطلب أكثر من الاحترام، احترام التاريخ، احترام الحدود، واحترام أن نُعامل كما عاملنا العراق دوماً بمسؤولية وحُب.