حول المجتمع المدني البيئي بالمغرب

نشر في 18-05-2025
آخر تحديث 17-05-2025 | 20:02
 فاطمة لمحرحر

إن موضوع البيئة وحمايتها من أهم الموضوعات التي أثارت انشغال المجتمعات الإنسانية المعاصرة بشكل كبير في مختلف الأبحاث، بسبب ما شهدته المنظومة البيئية والإيكولوجية من تدهور وتردٍّ غير مسبوق عبر مختلف مناطق العالم.

ونتيجة لما ينطوي عليه الوضع البيئي الراهن من تهديد متفاقم للموارد الحيوية التي لم تعد قادرة على استيعاب التأثيرات المادية التي خلّفتها الأنشطة الإنسانية، مما جعل نهاية القرن العشرين تشهد تصاعداً كبيراً للأصوات المطالبة والمنادية بضرورة الاهتمام بالقضايا البيئية، وفي هذا الإطار تزايد دور منظمات المجتمع المدني على المستويين الإقليمي والدولي.

وتوافقاً مع ما يثيره موضوع حماية البيئة من نقاشات وآراء متعددة، لاسيما في خضم جدلية الموازنة والتوافق بين متطلبات تحقيق التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي من جهة، ومقتضيات المحافظة على المحيط البيئي، كفضاء أساسي ومشترك لحياة المجتمعات والكائنات والنظم البيئية من جهة أخرى.

تبنّى المغرب منذ سنة 1995 استراتيجية لحماية البيئة والتنمية المستدامة، ترمي إلى إدماج البعد البيئي في مخططات التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشراكة مع مختلف منظمات المجتمع المدني وفاعلين آخرين، إلى جانب ذلك، جاء دستور 2011 لينص في فصله الـ31 على حق كل مواطنة ومواطن في التنمية المستدامة والحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة... بالإضافة إلى ذلك جاء هذا الدستور بأدوار مهمة لمنظمات المجتمع المدني بخصوص المشاركة في إعداد وتتبع وتنفيذ وتقييم السياسات العمومية المتعلقة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، الأمر الذي سمح بظهور العديد من المنظمات والهيئات المدنية التي تعنى بحماية البيئة والنهوض بالتنمية المستدامة ومكافحة التغير المناخي في المغرب، وفي هذا الشأن فقد حدد القانون الإطار رقم 99.12 بمثابة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة أدواراً مهمة لمنظمات المجتمع المدني.

إن العلاقة بين المجتمع المدني وحماية البيئة تعكس الدور المكمل لدور الدولة في مواجهة التحديات البيئية، غير أنه رغم الأدوار الطموحة للمجتمع المدني المغربي فعدد الجمعيات والهيئات المدنية العاملة في المجال البيئي يظل ضعيفاً لا يتجاوز 2 في المئة من العدد الإجمالي لمنظمات المجتمع المدني الوطني.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن الترافع من أجل القضايا البيئية في الوقت الراهن أضحى وسيلة مهمة لطرح وجهات نظر الفعاليات المدنية، وإبداء الرأي في صياغة وسن التشريعات والقوانين والاستراتيجيات والمشاريع الخاصة بحماية البيئية والمحافظة عليها.

ونظراً لما يعرفه الشأن البيئي من اهتمام، في ظل التطور المطرد للإشكالات والتحديات المتعلقة بالتغير المناخي، فالمجتمع المدني المتخصص في مجال البيئة، يجد صعوبة في ملامسة كل الجوانب والملفات الدقيقة ذات العلاقة بالبيئة التي تستوجب المتابعة والمعرفة العليمة، والتي لا يمكن الإحاطة بها إلا عبر الوسائل العلمية وبمساعدة مؤسسات البحث العلمي، كما أن قلة الإمكانات والوسائل البشرية والمادية، تؤثر على عمل المجتمع المدني البيئي، نظراً لما يتطلبه هذا الميدان من مواكبة ومقاربات عملية وميدانية.

ولا بد أن نشير في هذا الإطار إلى أن تشعب الشأن البيئي والقضايا المرتبطة به، يخلق صعوبات متنوعة لعمل المجتمع المدني البيئي، الأمر الذي يتطلب توحيد الجهود بين الجمعيات الفاعلة في الحقل البيئي لتبادل الممارسات والتجارب الجيدة، وبين المجتمع المدني البيئي وكل المتدخلين الموكول إليهم تدبير الشأن البيئي، خصوصاً الهيئات المنتخبة والجمعيات المهنية والفرقاء الاجتماعيين والفعاليات الاقتصادية.

* أستاذة بكلية الحقوق في الدار البيضاء وباحثة سياسية

back to top