ليو الرابع عشر من شيكاغو إلى روما
بعد تصويت سريع نسبياً، ظهر الدخان الأبيض من كنيسة سيستينا في الفاتيكان، معلناً انتخاب بابا جديد للكنيسة الكاثوليكية، وهللت الحشود في ساحة القديس بطرس فرحاً، بينما قرعت الأجراس التاريخية. وفي لحظة إعلان «Habemus Papam» (لدينا بابا)، كُشف عن هوية البابا الجديد ليو الرابع عشر، أول أميركي في تاريخ الكنيسة يتولى الكرسي الرسولي.
والكاردينال روبرت فرانسيس بريفوست، المولود في ضواحي شيكاغو، لم يكن اسماً مجهولاً تماماً، فعلى الرغم من نشأته الأميركية، لكنه أمضى معظم خدمته الكهنوتية خارج بلاده، خاصة في البيرو وروما، مما يجعله رجل دين عالمي الطابع.
حصل على الماجستير في اللاهوت من جامعة كاثوليكية في شيكاغو، ثم انخرط في العمل التبشيري. في عام 2023، عيّنه البابا فرنسيس كاردينالاً، وأسند إليه منصباً مهماً في الفاتيكان مسؤولاً عن اختيار الأساقفة. ولأنه معروف لدى العديد من الكرادلة رغم تنوعهم الجغرافي، فقد كان من المرشحين الجديين
واختيار اسم «ليو» له دلالة رمزية، فهو يرتبط ببابوين بارزين: ليو العظيم الذي أقنع أتيلا الهوني بعدم غزو روما في القرن الخامس، وليو الثالث عشر الذي أرسى في نهاية القرن التاسع عشر أسس التعليم الاجتماعي الكاثوليكي من خلال منشوره الشهير Rerum Novarum، داعماً حقوق العمال في إطار يحترم الملكية والأسواق الحرة. وبالتالي، فإن الاسم قد يشير إلى مزيج من القيادة السياسية والاجتماعية معاً، وربما يعكس رغبة البابا الجديد في مواصلة توجهات سلفه فرنسيس.
وانتخاب أميركي للبابوية أثار دهشة العالم، وحتى داخل الولايات المتحدة نفسها، لكن هذا التحول المفاجئ أظهر مرونة المؤسسة البابوية، وقدرتها على المفاجأة، مما جدد الأمل في نفوس الكاثوليك، خاصة من الشباب الذين كانوا في طليعة الحاضرين بالساحة.
وكانت لحظة الإعلان مليئة بالعاطفة، حيث علت الهتافات، وذرفت الدموع، ورُفعت أعلام دول العالم.
ومن المرجح أن يكون الوضع المالي الصعب للفاتيكان أحد أسباب اختيار شخصية ذات خلفية إدارية مثل ليو الرابع عشر. فالفاتيكان يواجه أزمة مالية متفاقمة، ويبدو أن الإدارة الأميركية النمطية وخبرات التنظيم والشفافية ربما كانت من العوامل المرجحة.
لا أحد يعلم بعد كيف ستكون توجهات البابا الجديد، لكن لحظة انتخابه حملت روحاً من التجديد. إنها لحظة استثنائية شهد فيها العالم ارتقاء «فتى من شيكاغو» إلى كرسي بطرس. هناك من يرى أن هذه اللحظة تمثل فرصة تاريخية لجعل الكنيسة أقرب إلى العالم المعاصر، وأكثر قدرة على جمع التقاليد الروحية بالرؤى العملية.
كما قال البابا بنديكت السادس عشر ذات مرة: «المفاتيح التي توكل إلى خليفة بطرس ليست له إلا للحظة خاطفة من الزمن». يبقى أن ننتظر ما سيفعله البابا الأميركي الأول في هذه اللحظة.
* جيلين ميلكيور