تقرير اقتصادي: خسارة الكويت بضياع هويتها الاقتصادية... لا غيابها عن خريطة ترامب

• ضعف في فهم الشراكات الاستراتيجية وإدمان على النفط ومخاوف من مشاريع «الفيل الأبيض»
• صفقات ترامب توازي 1.6 مرة حجم الناتج الخليجي... وتنفيذها مرتبط بمعايير تفصيلية ومعقدة
• نموذج الكويت للاستدامة على سهولته يستحيل تحقيقه على حكومة لم تصدر برنامجاً لعملها
• علينا خلق نموذج يركز بدايةً على وقف النزيف المالي وعقد شراكات دولية فتحويل المشاريع لمنافع اقتصادية

نشر في 18-05-2025
آخر تحديث 17-05-2025 | 19:26
محمد البغلي
محمد البغلي

خطفت الجولة الخليجية للرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع الماضي في ثلاث دول، هي السعودية، وقطر، والإمارات، الأنظار عن أي حدث إقليمي أو دولي سياسي أو اقتصادي آخر، كتجميد الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، أو اقتراب واشنطن وطهران من توقيع اتفاق يحدد الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، خصوصاً مع الإعلان خلال الجولة عن صفقات وعقود ومشاريع تجاوز إجمالي قيمتها 3.6 تريليونات دولار أميركي، في وقت طرحت تساؤلات محلية عن سبب غياب الكويت عن خريطة جولة ترامب الخليجية.

لعله من المفيد مناقشة زيارة ترامب للمنطقة الخليجية من زاويتين، الأولى هي طبيعة الصفقات مع الدول الخليجية الثلاث، أما الزاوية الثانية فتتعلق بمدى أثر أو وزن أو كيفية فهم عدم زيارته للكويت خلال الرحلة، ففي الزاوية الأولى نجد أن قيمة اتفاقيات ترامب الاقتصادية الخليجية تعادل 1.6 مرة حجم النواتج المحلية الإجمالية لدول مجلس التعاون الخليجي البالغة قيمتها 2.2 تريليون دولار حسب بيانات صندوق النقد نهاية العام الماضي وتوازي 1.86 مرة من حجم اقتصادات الدول الثلاث التي شملتها الجولة البالغة 1.93 تريليون دولار، إذ تشكل السعودية وحدها بما يعادل 1.13 تريليون دولار ما يعادل نصف حجم الاقتصاد الخليجي برمته، مما يجعل قيمة صفقات ترامب في الخليج العربي ضخمة جداً، وتتطلب النظر لمجموعة من المفاهيم الأساسية التفصيلية والمعقدة.

الصفقات التريليونية هي قيمة قصوى تأخذ بالاعتبار تقلبات أسعار الصرف والتضخم والشحن ومداها الزمني ليس بالقصير حسب مستجدات الاقتصاد العالمي

قيم قصوى

ويمكن تلخيص هذه المفاهيم في أن المبالغ المعلنة للاتفاقيات للدول الثلاث مع الولايات المتحدة أي 3.6 تريليونات دولار هي قيمة قصوى وليست فعلية بالضرورة، فالاتفاقيات تأخذ غالباً بعين الاعتبار معايير تراعي التقلبات الاقتصادية والتجارية كأسعار صرف العملات والتضخم والشحن وغيرها، ناهيك عن أن تنفيذ مثل هذه الاتفاقيات الضخمة مقارنة بالنواتج المحلية الإجمالية لدول الخليج العربية سيأخذ مدى زمنياً ليس بالقصير، بل من متوسط إلى طويل ربما 20 عاماً مع إمكانية التطوير والتعديل والتقليص حسب الأوضاع المستجدة وظروف الاقتصاد العالمي، الذي ليس بالضرورة سيتجه إلى النمو المتواصل، خصوصاً في عالم لا يزال يناقش مخاوف الركود وتداعيات حرب ترامب التجارية ورسومه الجمركية.

تعاون وهيكلة

من المهم فهم أن هناك شريحة أساسية من الاتفاقيات كانت إطارية أو مبدئية للتعاون مع الولايات المتحدة مقابل نحو 25 في المئة منها جاءت على شكل تعهدات لعقود او استثمارات أو صفقات مباشرة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الصفقات العسكرية المبرمة هي اتفاقيات أولية تخضع لاحقاً لموافقات من البنتاغون والكونغرس وليست قرار ترامب وحده، كما أن نحو نصف الاستثمارات السيادية للدول الثلاث (السعودية- قطر-الإمارات) وبقية دول مجلس التعاون مركزة في الولايات المتحدة على شكل سندات وأسهم وبنية تحتية... إلخ وقد يكون جزءاً من الصفقات التريليونية إعادة هيكلة هذه الاستثمارات وليس بالضرورة ضخ استثمارات جديدة.

الحكومة منشغلة عن الاقتصاد بكل ما هو جزئي وغير أساسي ولا يعبر عن أولوية أو ضرورة أو يزيد من تصدع المجتمع!

غياب النفط

اللافت في زيارة ترامب أنها لم تتضمن أهم ملف لديه منذ إعادة انتخابه رئيساً للولايات المتحدة وهو ملف الطاقة عند وصوله إلى أكبر بلدان النفط والغاز في العالم، فلا نقاش حول سياسات الإنتاج ولا الأسعار مع أن الطاقة العالمية غالباً تحتل جزءاً كبيراً من تصريحات ترامب الداخلية، مع أن إنفاق دول الخليج النفطية يرتكز عموماً وفي الصفقات المبرمة مع ترامب على عائدات النفط.

نموذج واحتياجات

من الزاوية الثانية، أي الزاوية المحلية، نجد أن الحديث عن خسارة الكويت السياسية أو الاقتصادية لقيمتها بسبب عدم إدراجها على خريطة زيارة ترامب للمنطقة هو أمر مبالغ فيه، فنموذج الكويت أو بصورة أدق احتياجاتها تختلف عن نماذج أو احتياجات دول الخليج العربية الأخرى، التي لها تصورات ومحاولات للمستقبل تناسبها مع التأكيد على أهمية الترشيد والحوكمة والشفافية في التعامل مع الصفقات التريليونية... فخسارة الكويت ليست في عدم زيارة ترامب بل في ضياع هويتها الاقتصادية تحديداً في ضعف فهم طبيعة الشراكات الاستراتيجية الدولية أو الإقليمية كونها ليست جزءاً من أي مشروع تجاري أو خدمي إقليمي أو دولي، فلا نزال نعتقد أن الشراكة مع عملاق اقتصادي كالصين هو مجرد إسناد عقود مقاولات لشركاتها وليس بناء علاقة استراتيجية متشابكة في المصالح وجاذبة للخبرات والتكنولوجيا ورؤوس الأموال وجعل السياسة الخارجية بخدمة الاقتصاد.

اللافت أن زيارة ترامب لم تتضمن أهم ملف لديه منذ إعادة انتخابه أي ملف الطاقة رغم وصوله إلى أكبر بلدان النفط والغاز في العالم

إدمان النفط

فالكويت لا تزال منذ عقود تمعن في الإدمان على النفط كأكثر دول العالم على إيراداته حتى مع تعاظم مخاطره وتراجع أسعاره وتضاؤل مرونة التوازن بين العرض والطلب وسط تشاؤم نادر الحدوث بين المنتجين والمستهلكين وتسعى لبناء مشاريع هي أقرب إلى التحول إلى «فيلة بيضاء» أي مشاريع ضخمة ومكلفة دون عوائد اقتصادية كميناء مبارك والمنطقة الشمالية والجزر والمطار الجديد وغيرها من مشاريع البنية التحتية، التي لن تتحقق أغراض وجودها وما أنفق عليها من مليارات الدنانير إلا بتحول هذه المشاريع إلى منافع اقتصادية لا سيما على صعيد سوق العمل والإيرادات غير النفطية وتنمية الناتج المحلي الإجمالي وتنويع مكوناته.

سهولة واستحالة

إن الحديث عن عدم زيارة ترامب للبلاد لا يستحق أن يكون مسألة جوهرية فهو في أي لحظة يمكن أن يتحول إلى عبء أكثر من كونه حليفاً موثوقاً، فما يهم الكويت ومستقبلها أن تخلق لنفسها نموذجاً إصلاحياً يركز في بداياته على وقف النزيف المالي وإصلاح أوجه الإنفاق العام مروراً بعقد شراكات دولية متعددة باعتبارها منطقة مصالح للعالم على صعيد الطاقة أو التجارة أو الخدمات وصولاً إلى تحويل المشاريع العامة والبنى التحتية والخدمات إلى منافع اقتصادية مستدامة... وهذا نموذج على سهولته يستحيل تحقيقه في ظل إدارة حكومية لم تصدر حتى مع مرور عام على تشكيلها برنامجاً لعملها وهو الحد الأدنى قبل تقييم جودته أو مدى قدرتها على تنفيذه، ناهيك عن انشغالها في كل ما هو جزئي وغير أساسي ولا يعبر عن أولوية أو ضرورة أو يزيد من تصدع المجتمع ودوره الاقتصادي!

back to top