الغبار والتعليم عن بُعد: بين صرامة الخليج ومرونة الغرب

نشر في 16-05-2025
آخر تحديث 15-05-2025 | 19:18
 محمد القلاف

في كل عام، تهب موجات الغبار الكثيفة على دول الخليج، فتؤدي إلى تدني مستوى الرؤية، وتخلو الشوارع من المارة. وفي مثل هذه الحالات، تكون الجهات المعنية في حالة استنفار من أجل الحفاظ على السلامة العامة واستمرار تقديم الخدمات. وهنا يطرح سؤال ملحّ: لماذا يُلزم المعلمون في بعض دول الخليج بالحضور إلى المدارس لإعطاء الدروس «أونلاين» رغم أن الطلاب متغيبون في منازلهم؟

في بعض دول الخليج، يُفعل نظام التعليم الإلكتروني من داخل المدرسة، لا من منزل المعلم. هذا يثير تساؤلا آخر: هل التعليم عن بُعد في الخليج مقيد بمكان التنفيذ؟ وهل يُشترط أن يتم من المدرسة لا من المنزل؟

ربما تبرر وزارات التعليم هذا الإجراء بالحرص على الانضباط الوظيفي والالتزام بالبصمة، لكنها في المقابل تُظهر افتقارا للثقة في كفاءة المعلم، وقدرته على أداء مهامه عن بُعد من منزله، وهو ما يتناقض مع التوجه العالمي نحو الرقمنة.

على النقيض، نجد في الدول الغربية مرونة ونضجا في التعامل مع مثل هذه الأزمات، فهم يركّزون على جودة المخرجات التعليمية، لا على مظهر الالتزام الشكلي. في كندا، على سبيل المثال، يُمنع المعلمون من الحضور إلى المدرسة في حال الضباب أو تساقط الثلوج، ويُفعّل التعليم بالكامل من المنازل. أما في بريطانيا فالنظام التعليمي أكثر تكاملاً، ويتيح التحول السلس للتعليم المنزلي عند الحاجة. وفي أميركا، يتم تفعيل التعليم عن بعد من المنزل بالكامل أثناء العواصف الثلجية وغيرها من الظروف الطارئة.

وتؤكد مواقع رسمية ذلك:

كندا: «إذا أُغلقت المدارس بسبب الطقس فسيحاول الموظفون التعليم عن بُعد قدر المستطاع».

أميركا (نيويورك): «هل يمكن استخدام التعليم عن بُعد وقت الإغلاق الطارئ؟ نعم، إذا كانت هناك خطة موافَق عليها».

بريطانيا: «لا يُفترض أن يذهب المعلمون إلى المدرسة إذا كان الطقس غير آمن. ويُفضّل العمل عن بُعد إن أمكن».

الفرق الجوهري يكمن في فلسفة التعليم، ففي الخليج يُنظر إلى التعليم بوصفه التزاما وظيفيا صارما، بينما يُعد في الغرب رسالة تقوم على الثقة والمسؤولية الذاتية، ومن هذا المنطلق نجد بعض المعلمين في الخليج يعانون أمراضا في الجهاز التنفسي كالربو، فضلاً عن الظروف الخاصة بالمعلمات كالنساء الحوامل وغيرهن، ومع ذلك يعامل الجميع بنفس المعاملة دون مراعاة لخصوصية كل حالة.

ومن هذا المنطلق يجدر بدول الخليج أن تعيد النظر في أنظمتها، خاصة بعد تجربة جائحة كورونا، التي أثبت فيها المعلمون جدارتهم وكفاءتهم العالية في العمل عن بعد، وكانوا على قدر المسؤولية، رغم التحديات.

back to top