دمشق بين قصص الماضي وآمال المستقبل
كانت زيارتي إلى دمشق تجربة فريدة وجديرة بأن أكتب عنها وأشاركها وكأنني أكتشف بلداً جديداً، بلد الثقافة والحضارة لكن في ضوء مختلف تماماً عما اعتدته.
دمشق، هذه المدينة العريقة التي تحمل في كل زاوية من زواياها عبق التاريخ وروح الحضارات المتعاقبة، رحبت بي وفتحت لي أبوابها كما لو أنها تقص عليّ قصص الماضي وآمال المستقبل.
رغم التحديات التي لا تزال تواجهها، شعرت بأن شيئاً ما تغيّر في وجوه الناس. وجدت ملامح جديدة، ورأيت الابتسامة التي لا تخطئها العين، ابتسامةً تحمل السلام والإيمان بأن القادم أفضل.
مشيت في شوارع الشام القديمة، بين الحارات الضيقة والأسواق التي تعج بالحياة، فشعرت وكأنني في متحف حيّ. كل حجر يحكي حكاية، وكل رائحة تنقلك إلى زمن آخر. من الجامع الأموي وآذانه المختلف عن كل آذان، إلى سوق الحميدية، والبزورية بعرضها الفني للتوابل والحلويات وضيافتهم للتذوق، إلى خان أسعد باشا العظم، الخان ذي الهندسة المعمارية المبهرة، الذي بناه أحد أسلاف عائلتي النبلاء. وشراب التوت الشامي المثلج الذي ذكرني بأيام الصيف في الزبداني وبلودان، المصيفان اللذان يشتهران بالفاكهة ذات الطعم الحلو اللذيذ.
ومن أجمل ما شدّني في زيارتي لتلك الأسواق التقليدية أنها واصلت احتضانها للأعمال اليدوية والحرف التراثية، كالنسيج الدمشقي الفاخر، والخشب المطعّم بالصدف والعجمي ذي الألوان المميزة. حتى طريقة بيعهم التي توارثوها أباً عن جد ويتبعونها حتى يومنا هذا، تحترم الجار المباشر. ومن الطريف ما حصل عندما دخلت في بداية النهار إلى محل، ولم يرضَ صاحب المحل أن يبعيني وطلب مني أن أدخل إلى محل جاره لأنه لم يستفتح بعدُ، وفعلاً وجدت كرسياً أمام الباب، للدلالة على أنه لم يبع بعدُ، وكنت أول زبونة تشتري من عنده. شعرت كأنني لا أشتري مجرد تذكار، بل أقتني جزءاً من روح المدينة الفيحاء.
هذه لا تزال تحتفظ بسحرها وأصالتها رغم كل ما مر عليها. هذه هي شام شريف كما سمّاها الحجاج عندما كانوا يصلون إليها للانطلاق مع قافلة الحج الشامي إلى مكة المكرمة.
زيارتي كانت أكثر من مجرد رحلة، كانت لقاءً مع التراث ومع شعب يحمل ذاكرة التاريخ وروح الانتماء إلى حضارات عريقة، يحمل الهوية الأصيلة للماضي ويتطلع إلى المستقبل.