لليوسف: لا «عاملين عليها» للجمعيات الخيرية ورقابة أوقافها
منذ اثني عشر عاماً كتبنا مقال «على الشؤون إجبار اللجان الخيرية على إعلان نسبة مصاريفها من الصدقات... ومنعها»، وذكرنا أن خطورة العمل الخيري تكمن في أن الأموال ما إن تخرج من المتبرع تنقطع علاقته بها، وتصبح بذمة الجمعيات واللجان الخيرية وكالة عنه، لتشرف عليها الدولة، ولذلك تعتبر أموالاً عامة تنطبق عليها جزاءاتها وفقاً لجرائمها، وخاصة بعد صدور حكم بالقضية المشهورة التي سجن فيها أشخاص للرشوة أحدهم وكيل وزارة. فهل يحق للجمعيات واللجان استقطاع مصاريفهم ورواتب موظفيهم من الزكاة، أعضاء حزبهم السياسي، مواطنين ووافدين؟ واستقطاع ما أجازوه لأنفسهم بلي أعناق الآيات، ففسروا مصرف «في سبيل الله» بآية الزكاة بأنه دعم حملاتهم الانتخابية البرلمانية، فحذرنا منذ سنوات بمقال «بزكاتكم يموّلون مرشحيهم»، ومقال «كذب جمعيات خيرية»، وكذلك ««فاشينستات» العمل الخيري»، حين يضعون صور مشايخ لجذب المتبرعين، كما حدث لأحدهم دون علمه بمصير الأموال! وأجازوا مصرفاً آخر للزكاة لتجهيز مقراتهم.
لقد أشرنا أيضاً لقوله سبحانه: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ...»، ويقصد بالعاملين عليها الذين يتولون جمعها وإحصاءها وتوزيعها على مستحقيها، بتكليف ولي الأمر، أي الحاكم، وقال الإمام الشافعي: «إنْ كَانَ مُفَرِّقُ الزَّكَاةِ هُوَ الْمَالِكُ أَوْ وَكِيلُهُ سَقَطَ نَصِيبُ الْعَامِلِ»، والوكيل هنا هي الجمعيات واللجان الخيرية، وقال ابن باز، رحمه الله، ويصادف بعد غدٍ تاريخ وفاته عام 1999: «العاملون عليها هم العمال الذين يوكلهم ولي الأمر في جبايتها والسفر إلى البلدان والمياه التي عليها أهل الأموال حتى يجبوها منهم»، وقال الشيخ ابن عثيمين مثله وأضاف: «أما الوكيل الخاص لصاحب المال الذي يقول له: يا فلان خذ زكاتي ووزّعها على الفقراء فليس من العاملين عليها، لأن هذا وكيل، فهو عامل فيها، وليس عاملاً عليها»، مطابقاً لقول الشافعي ومماثلاً أيضاً لرأي فضيلة أ. د. محمد الطبطبائي بعدم أحقية الجمعيات الخيرية في استقطاع أي مبالغ تحت بند «العاملين عليها»، والذي تستقطعه جمعيات خيرية بنسبة 12.5% كمصاريف لهم من قيمة التبرعات، زكاة وصدقات، لتتضاعف النسبة إذا ما تعاونت معهم جمعيات أخرى للعمل على نفس التبرع!
ولسنوات كتبنا عشرة مقالات بذات المضمون، وفي 2020 أقمنا حملة «لمزيد من الشفافية في الجمعيات الخيرية»، وقعها أكثر من خمسمئة مشارك، شخصيات ونشطاء بالعمل الخيري ومواطنين، وقدمناها لوزيرة الشؤون لإجبار الجمعيات الخيرية على إعلان نسبة استقطاعها من التبرعات، وأخذ موافقة المتبرع، وعدم استقطاع أموال مجهول مصدرها ونشر الميزانيات وتقديم إقرار الذمة المالية للعاملين بالجمعيات، وبعدها أوصت لجنة الشؤون القانونية لمجلس الوزراء بحظر الجمعيات من أخذ نسبة من التبرعات فيما يخص الديات وتعويضاتها، ومنعت الجمعيات الخيرية الاستقطاعات عندما ساهمت في توزيع صندوق دعم جائحة كورونا.
ومما يثير القلق على سلامة الأموال الخيرية تسجيل بعض أوقافها العقارية، محلية وخارجية، بأسماء أشخاص وليس الجمعيات، لخوفهم وضع الشؤون يدها عليها عند حلها، مما يعرض الأوقاف لرجوع ورثة المسجلة باسمه عليها بالقضاء وخسارة الجمعية أوقافها، كما راحت أوقاف بالملايين بالخارج لمخالفة قوانين الدول، اطلعنا على خسارة أحدها بدولة أوروبية.
إننا ننتهز عهد الحزم، بعد محاولاتنا لعقد ونصف العقد، ونؤيد إجراءات إعادة هيكلة العمل الخيري ووقف الحسابات مؤقتاً، ونلفت انتباه النائب الأول لضرورة إنشاء حساب لدى بيت الزكاة، تودع فيه جميع أموال المتبرعين الموجهة للجمعيات، ومن ثم تحويلها لهم بعد تمحيصها، إضافة إلى تسجيل أوقاف الجمعيات باسم الأمانة العامة للأوقاف لرقابتها ووضع اليد عليها حال حلّت الجمعية أو تعثرت قانونياً، ويجب أن تكون للوزارة صلاحية مطلقة للاطلاع على حسابات العاملين في العمل الخيري، لتفادي سرقات الملايين كما حدث سابقاً، وأن تكون أعمالهم تطوعية دون مقابل، وإعلان أوقافهم.
***
إن أصبت فمن الله وإن أخطأت فمن نفسي.