إصلاح التكدس الوظيفي وتفعيل القطاع الخاص

نشر في 11-05-2025
آخر تحديث 10-05-2025 | 19:42
 أ. د. فيصل الشريفي

تعاني ميزانية دولة الكويت مجموعة من التحديات المزمنة المرتبطة بسوء الإدارة وغياب الاستراتيجيات ذات البُعد الاقتصادي، ولعل أبرز تلك المشاكل التكدُّس الوظيفي، وسوء توزيع الموظفين بين الجهات، وهو ما انعكس سلباً على تضخم الهياكل الوظيفية وكفاءة الأداء المؤسسي وجودة الخدمات العامة.

في المقابل لا تزال رغبة المواطنين في العمل بالقطاع الخاص غير جاذبة، نتيجة ضعف الحوافز، وتدني الحماية الوظيفية، والفجوة الكبيرة في المزايا بينه وبين القطاع الحكومي، لذا فإن معالجة هذه المعضلات تتطلب خطة شاملة لإعادة هيكلة القطاع العام، بالتوازي مع تفعيل دور القطاع الخاص كمحرك رئيسي للنمو الاقتصادي، إلى جانب مراجعة عميقة للمخرجات التعليمية، وربطها باحتياجات سوق العمل الفعلية.

ولإصلاح منظومة العمل وضبط الصرف على باب الرواتب من منطلقات استراتيجية بعيدة عن الانفعالات والإشاعات، يتعيَّن على الحكومة النظر ببعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها، ومنها على سبيل المثال.

أولاً: معالجة التكدُّس الوظيفي وسوء التوزيع في القطاع الحكومي

المرحلة الأولى من الإصلاح تبدأ بتشخيص دقيق للوضع الراهن، من خلال توجيه ديوان الخدمة المدنية تنفيذ مسح وطني شامل لجميع العاملين في الجهاز الحكومي يهدف إلى تحديد الفائض والعجز الفعلي في كل جهة، ومن ثم إنشاء قاعدة بيانات وظيفية موحدة تسمح برصد التوزيع الجغرافي والتخصصي للموظفين، تمهيداً لوضع خطط لإعادة التوزيع ونقل الكفاءات إلى الجهات التي تعاني نقصاً.

المرحلة الثانية: إجراء إصلاح تشريعي، من خلال إصدار قانون «الوظيفة العامة الموحدة»، الذي يضمن العدالة بين الموظفين في الرواتب والمزايا، ويقضي على التفاوت بين الوزارات، إلا من البدلات التي تقتضيها طبيعة العمل، وتفعيل نظم تقييم الأداء، بحيث تُربط الترقية والمكافآت بالإنتاجية الفعلية، لا بالأقدمية والمعايير الخاضعة لمزاج المسؤولين، مع تطبيق نظام تدوير وظيفي يحد من الجمود الإداري، ويسمح بالانتقال من مؤسسة إلى أخرى، وفق الحاجة.

المرحلة الثالثة: التركيز على التحوُّل الرقمي وهندسة وأتمتة الإجراءات الحكومية، مما يقلل الحاجة للعمالة اليدوية، ويتيح المجال لإعادة توجيه الموارد البشرية نحو مهام أكثر إنتاجية، وتشجيع التقاعد الطوعي للموظفين ممن تجاوزت أعمارهم أو خدمتهم سقفاً معيناً، دون الإضرار بحقوقهم المادية، مما يُسهم في تجديد الدماء داخل الجهاز الحكومي.

ثانياً: تفعيل منظومة العمل في القطاع الخاص والأهلي

1- تفعيل دور سوق العمل بالقطاع الخاص كبديل واقعي ومغرٍ للعمالة الوطنية، حيث يتطلب ذلك إصلاحات تشريعية تضمن بيئة عمل مستقرة وعادلة، بدءاً من مراجعة قانون العمل، بما يهدف إلى زيادة حماية الموظفين الكويتيين، مروراً بفرض نسب «وطنية» تدريجية في الوظائف، وانتهاءً بإنشاء هيئة مستقلة تراقب مدى التزام القطاع الخاص بتوظيف الكويتيين دون تحايل.

2- إعادة هيكلة برنامج دعم العمالة الوطنية، ليغطي الفجوة في الأجور، ويوفر نظاماً تقاعدياً منافساً لما يقدمه القطاع الحكومي، كما ينبغي إطلاق برامج تدريب وتأهيل للخريجين لتهيئتهم لسوق العمل الخاص، مع حملات توعوية لتغيير النظرة المجتمعية التي تعتبر القطاع الحكومي الخيار الأفضل.

3- دعم ريادة الأعمال والمشاريع الصغيرة، لأهمية ما يمثله ذلك من مسار موازٍ نحو تعزيز القطاع الاستثماري الأهلي، من خلال تسهيل إجراءات الترخيص والتمويل، ومنح أولوية في المناقصات الحكومية للمشاريع الوطنية التي يديرها كويتيون، وهذا من شأنه تحفيز فئة الشباب على الدخول في السوق كرواد أعمال، بدلاً من انتظار وظيفة حكومية.

ثالثاً: ربط المخرجات التعليمية بسوق العمل

لا يمكن تحقيق إصلاح حقيقي دون مراجعة جذرية للمخرجات التعليمية، التي تمثل المدخل الأساسي لأي نظام وظيفي، كما يجب أن تُوجه مؤسسات التعليم العالي لتقديم برامج وتخصصات تتماشى مع متطلبات السوق، مع تقنين القبول في التخصصات المشبعة، وتعزيز البرامج التقنية والمهنية، ومراعاة إدخال مفاهيم ريادة الأعمال والعمل في القطاع الخاص ضمن المناهج التعليمية، وكذلك تفعيل نظم التعليم والتدريب بالشراكة مع القطاع الخاص.

في الختام، قد يرى البعض صعوبة في معالجة الاختلالات الوظيفية بالقطاعين الحكومي والخاص، لكن الحقيقة سوق العمل في الأهلي جاذب، ولا ينقصه سوى بعض القوانين والتشريعات ووضوح وتوجيه الشباب إلى الرؤى والبرامج الاقتصادية والمشاريع التي من شأنها فتح آفاق جديدة للعمل.

ودمتم سالمين.

back to top