الخطاب الفلسفي لميشيل فوكو
سعدت بحضور محاضرة نظمها قسم الفلسفة، وشارك فيها كل من الدكتور محمد السيد، والدكتور الزواوي بغورة، والدكتور عبدالعزيز العوضي، وجاءت تحت عنوان «ما الفلسفة؟»، وهي ترجمة الدكتور الزواوي بغورة لكتاب «الخطاب الفلسفي» للمفكر ميشيل فوكو. وقد تناولت المحاضرة جملة من القضايا الفكرية والفلسفية، أبرزها التمييز الدلالي بين ترجمة مصطلح «السلطة» إلى power أو authority في اللغة الإنجليزية، لما لهذا التمييز من أثر عميق في فهم فكر فوكو ومفاهيمه حول السلطة والمعرفة.
أوضح الدكتور عبدالعزيز أن authority تشير غالبا إلى سلطة شرعية أو مؤسسية، كسلطة القوانين أو سلطة المعلم، وتُمارس ضمن إطار من القبول الاجتماعي أو التعاقدي، بينما power في فكر فوكو تمثل شبكة غير مرئية من العلاقات التي تتخلل كل أشكال التفاعل الاجتماعي، وهي لا تنحصر في المؤسسات، بل تظهر في اللغة، والمعرفة، والجسد، والتربية، بل حتى في الذات.
كما ناقش المحاضرون إسهامات فوكو في نقد الفلسفة التقليدية، حيث اعتبر أن الفلسفة ليست مجرد تأمل نظري، بل هي ممارسة نقدية تستهدف كشف البُنى الخفية للخطاب والمعرفة والسلطة. وكان من أبرز ما طُرح في الجلسة فكرة أن السؤال «ما الفلسفة؟» لا يسعى إلى إجابة نهائية، بل هو دعوة دائمة للتفكير، والانفتاح، والتساؤل المستمر، وهو ما يجعل من الفلسفة أداة لتحرير الفكر وتوسيع أفق الفهم.
كما تطرقت المحاضرة إلى موقف فوكو من الفلسفة الوجودية، خاصة في علاقته المتوترة مع جان بول سارتر، حيث رفض فوكو النزعة الوجودية التي تركز على الذات والجوهر، معتبراً إياها امتداداً لفلسفة لاتزال تتمسك بفكرة مركزية الإنسان. في هذا السياق، استُحضرت أفكار نيتشه التي أثرت في فوكو بعمق، لاسيما قوله إنه «ليس هناك جوهر أو أصل ثابت ننطلق منه، لأننا نأتي من تكوينات»، أي أن الهوية والمعنى ليسا مُعطيين مسبقاً، بل يتشكلان من شبكات متغيرة من الخطابات والتجارب. وقد أشار المحاضرون إلى أن هذا المنظور النيتشوي كان أساساً لتفكيك فوكو لمفاهيم الذات، والمعرفة، والسلطة، ورفضه لمقولات الفلسفة التقليدية التي تبحث عن الثوابت.
ختاماً، كانت المحاضرة ثرية بالتحليلات الفلسفية العميقة، مما عزز من أهمية هذه اللقاءات الفكرية في تجديد الاهتمام بالفلسفة في عالمنا العربي.