مرافعة: دوائر الجنح وإرهاق القضاء
لم يعُد مستغربا أن يصل «رول» قضايا الجنح والجنح المستأنفة في المحكمة الكلية في دوائر الجنح العادية أو البلدية الى 1000 قضية مقيّدة في رول الجلسة الواحدة، ولذا يتم تأجيل قضايا الجلسات إلى عدة جلسات وأشهر أخرى حتى ورود تلك الملفات، مما يسبب إرهاقا للمتقاضين والمحامين والسادة أعضاء الهيئات القضائية في المحكمة الكلية.
ولا يخفى على أحد حجم الضغط الذي تشهده قاعات المحاكم التي تنظر قضايا الجنح يوميا، وحجم المراجعين إليها، نتيجة كثرة المخالفات التي تُحرّر، وكثرة القضايا التي ترفع الى المحاكم، ولكن في الوقت ذاته هناك معضلة كبيرة في كيفية قيد تلك القضايا وتحديد جلسات بعيدة لها تصل الى عام 2028 أو أكثر من ذلك، وكذلك تؤجل القضايا المنظورة الى جلسات أطول، بسبب عدم ضم ملفات تلك القضايا من مخازن الإدارة العامة للتحقيقات، بسبب حفظ ملفاتها في مخازن الادعاء العام.
ولعل حلّ الملفات المتراكمة لقضايا الجنح، بعد تعديل قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، بما يسمح إعلان الأحكام الغيابية إلكترونيا والاعتداد بالإعلان الإلكتروني للجلسات، يتطلّب رفع ملفات القضايا إلكترونيا من إدارة التحقيقات أو النيابة العامة الى المحاكم على حد سواء عن طريق التراسل والنقل الإلكتروني، وهو ما يستلزم صدور تعديل تشريعي يعتد بمحاضر وأوراق القضايا في قضايا الجنح والجنايات إلكترونيا من جهات التحقيقات، واعتبار أن الصورة المستخرجة من تلك الأنظمة تُعد بمنزلة الأصل للعمل بها في المحاكم، ويجوز للمحاكم طلب الأصل وإرفاقه في ملف الدعوى إذا استدعت الحاجة ذلك، وفق ما تقدّره المحكمة.
وذلك لأن السبب وراء تأجيل قضايا الجنح على حد سواء يعود الى عدم ورود الملف الورقي الى المحكمة، مما يتسبب في تأجيل القضايا لجلسات على نحو متكرر، إلى حين ورودها، بينما إذا كانت الملفات مودعة إلكترونيا، فلا حاجة لإحضارها الى المحاكم أو إخراجها من جهات التحقيقات، لاسيما أن تلك الملفات بعد الانتهاء منها يتم حفظها في مخازن تلك الجهات.
إن التصدي الى وضع قضايا الجنح بشكل عام يحتاج الى مواجهة إدارية وتشريعية وتعاون بين الإدارة العامة للتحقيقات والمحاكم ووزارة العدل، وإزاء عدم التوصل الى حلول سلسة، سوف يتسبب ذلك في التأثير على منظومة عمل المحاكم على نحو عام والمتقاضين والهيئات القضائية بشكل خاص.
كما أن وضع قضايا جنح البلدية بحاجة الى تعديل قانون البلدية رقم 33/ 2016 بأن يُلغى الاختصاص المعهود لدوائر محكمة الاستئناف الجزائية العليا بنظر استئناف قضايا الجنح، وأن يُعهد الأمر الى دوائر الجنح المستأنفة وتمييزها أمام تمييز الجنح، وذلك لأن الوضع الحالي لا يتلاءم مع عمل وطبيعة مهام دوائر الاستئناف الجزائية، ولا حتى مع نوع القضايا المعروضة أمامها كجنح، وكيف لكبار القضاة من درجة المستشارين أن ينظروا في مخالفات تشغلهم عن نظر والفصل بقضايا تصل عقوبتها الى الإعدام، وهو أمر يتطلب ضرورة إعادة فهم عمل الدوائر القضائية والمحاكم الجزائية بشكل عام، بما ينعكس على حسن سير العدالة وحقوق المتقاضين.