تقرير أقتصادي: الخطوط الكويتية... نسيت أم تناست هويتها؟
• اتفاقية الإنترلاين مع «الإماراتية» تنازُل عن الحصة السوقية والمسافة الأطول لمصلحة منافس إقليمي
• «الكويتية» تنتهج نموذجاً يُضعف مهنيتها... عبر تضحيتها بالربحية والسيادية
• هجرة شركات الطيران الدولية عن مطار الكويت تكشف الواقع البائس لقطاع النقل الجوي
لم تكن مذكرة التفاهم والشراكة التجارية التي وقّعتها شركة الخطوط الجوية الكويتية مع طيران الإمارات لما أسمته «تعزيز خيارات السفر» أو اتفاقية إنترلاين، تمثّل مجرد تنازل عن الدور التشغيلي الأساسي لأي شركة طيران، أو تخلياً عن وضع سياسات تدرّ إيرادات مالية على الشركة بقدر ما مثّلت تراجعاً إضافياً لواقع أقدم شركة طيران خليجية وضعت الحكومات المتعاقبة منذ 1993 خططاً لإصلاح أوضاعها مالياً وإدارياً وخدمياً، ولم تفلح في أي منها.
فحسب اتفاقية الشراكة التجارية بين «الكويتية» وطيران الإماراتية سيتاح لـ 7000 راكب سنوياً السفر من الكويت إلى أي مدينة في العالم تصلها «طيران الإمارات» ولا تصلها الخطوط الكويتية، حيث يسافر الراكب عن طريق «الكويتية» من الكويت إلى دبي، ثم يستقل طيران الإمارات ليسافر إلى سيدني أو أوتاوا أو سيول أو جوهانسبرغ، وهكذا.
قيمة الناقل الوطني
وفي الحقيقة، فإن المسألة أعمق من مجرد الحديث المالي عن التحاصص أو التقاسم النسبي لقيمة التذكرة بين «الكويتية» وطيران الإمارات، والتي كان الأجدى أن تكون الحصة الأكبر من نصيب الخطوط الكويتية لو كانت الاتفاقية موقّعة مثلاً مع شركات أوروبية أو أميركية أو آسيوية أو إفريقية، بحيث تكون الفترة الأطول من زمن الرحلة على متن الخطوط الكويتية وليس لمصلحة طيران إقليمي قريب يستفيد من 90 بالمئة من مدة الرحلة، وبالتالي قيمتها.
فالمسألة هنا ترتبط بكيفية تعامل «الكويتية» مع قيمتها كناقل وطني والغرض من وجودها، ومدى نظرتها للمنافسة الإقليمية الطاحنة في قطاع الطيران الخليجي، وفي كيفية فهم دور الناقل الوطني، وهي أمور ترتبط بـ «الكويتية» من ناحية، وبجهة التنظيم، أي الطيران المدني، والمالك أي الهيئة العامة للاستثمار من ناحية أخرى.إصلاح أوضاع «الكويتية» مسؤولية إدارتها و«الطيران المدني» وهيئة الاستثمار... وصولاً إلى مجلس الوزراء
أزمة ومشروعان
ومشكلة «الكويتية» ليست في محدودية عدد طائراتها أو وجهاتها أو حصتها السوقية التي لا تتجاوز 3 بالمئة، مقارنة بسوق الطيران الخليجي، بل بأنها لم تكن في طريق واضح في أي من مشروعين سليمين كان يفترض أن تتبناهما «الكويتية» بإرادة حكومية، الأول أن تكون شركة تهدف للربحية بمشغّل محترف غالباً عالمي، يضمن الخبرة والجودة في الإدارة والتشغيل ضمن صيغة تنظيم ورقابة وبيئة منافسة حقيقية يتم خلالها التعامل مع الحكومة وجهاتها ومسؤوليها كزبائن دون امتيازات أو خصومات، مع تحرير إصدار رخص الطيران وخدماتها المساندة من شحن ومناولة خدمات أرضية وغيرها لأي مستثمر دون احتكار، أو الخيار الثاني أن تكون شركة «سيادية»، أي أن تكون ذراعاً ضمن مشروع دولة عريض لتسويق الكويت واسمها ومشاريعها وتنمية خطوط الترانزيت، في سبيل الانفتاح التجاري والاقتصادي على العالم، وجذب المستثمرين وفتح المحطات والوجهات بشكل واسع، ولا تستهدف بالضرورة تحقيق الربحية، بل على الأغلب ستكون مدعومة وممولة من الدولة.
لا ربح ولا ذراع
وهكذا تبدو اتفاقية الشراكة التجارية بين «الكويتية» و»الإماراتية»، فلا هي تصب في خانة الربحية وتنمية الحصة السوقية، ولا في سياق كونها ذراعاً سيادية لمشروع دولة واسع، وبالتالي نكون أمام سياسة ضبابية قد تتعمق لاحقاً بمزيد من اتفاقيات ما يُعرف بالشراكة التجارية مع شركات الطيران الإقليمية التي تتنازل بموجبها «الكويتية» عن حصتها السوقية، وتبتعد عن هدفها المعلن بزيادة عدد ركابها من 4.5 ملايين مسافر في عام 2023 إلى 5.5 ملايين بحلول 2025، وتكون بعيدة كعادتها عن المنافسة الشرسة خليجياً في قطاع الطيران، سواء كان الهدف سيادياً أو ربحياً.
ولعل إعلان «الكويتية» أنها حصدت المركز الـ 20 بين أفضل 109 شركات طيران حول العالم، والمركز الـ 5 في الشرق الأوسط، وفق التقرير السنوي الصادر عن موقع airhelp لأداء شركات الطيران العالمية لعام 2024، يلقي بمسؤولية كبيرة عليها في مجال رفع المحافظة على حصتها السوقية، أو على الأقل الحصول على المسافة الأطول في الرحلات التي لا تصل اليها إذا كانت مسألة إطفاء الخسائر المتراكمة البالغة 67.7 بالمئة من رأس المال، أي 662 مليون دينار (2.14 مليار دولار)، أو التحول إلى الربحية أو إعداد مشروع تسويق للبلاد مسائل غير مطروحة لدى «الكويتية» أو «الطيران المدني» أو الهيئة العامة للاستثمار، أو حتى مجلس الوزراء.إعلان «الكويتية» أنها بالمركز الـ 20 بين أفضل 109 شركات عالمياً يلقي عليها مسؤولية كبيرة لرفع حصتها السوقية أو التركيز على المسافة الأطول في الرحلات
والحديث عن «الكويتية» يجرّ الى ملف الواقع البائس (لقطاع النقل الجوي في البلاد)، أي عن شركات الطيران الدولية التي ألغت الكويت من ضمن خريطتها التشغيلية، وأهمها الخطوط البريطانية، ولوفتهانزا، وكي إل إم، وإير فرانس، مما يجعل الحديث عن المطار الجديد كوعاء جاذب للمسافرين والزائرين وتنمية الأعمال والسياحة كلها محل شك في الفكرة والتطبيق والجدوى.
32 عاماً بلا جدوى
مشكلة الخطوط الكويتية في التنازل عن حصتها السوقية لا تعبّر فقط عن مشكلة خاصة بالشركة، إنما تعكس نموذجاً لأزمة الإدارة العامة في الكويت التي لم تحسم أمرها في تحديد هوية الناقل الوطني، فلم تكن لا شركة ربحية، ولا سيادية، ولا حتى تم تغطية الخسائر في رأسمالها، ولا هي التي توسعت أو نافست إقليمياً أو فتحت خطوط طيران جديدة، حتى بلغ بها التدهور أن تنازلت عن حصتها السوقية لمنافس جغرافي طالما شكت «الكويتية»، ومعها «الطيران المدني»، من آثار منافسة الشركات الخليجية في مطار الكويت، وهو المبرر الذي دعا الدولة إلى أن تستجيب لصرف مئات الملايين على تحديث أسطول «الكويتية» من الطائرات قبل نحو 10 سنوات.
ولا شك في أن مرور نحو 32 عاماً في محاولات إصلاح غير مجدية لشركة طيران يشير الى شبه استحالة إصلاح أوضاع قطاعات أهم وأكثر تعقيداً، كالإسكان والكهرباء والتعليم والصحة، وحتى الطرق... فالعلّة دائماً في السياسات العامة أو المسائل التفصيلية مرتبطة بشكل وثيق بالإدارة العامة ومؤسساتها.مرور نحو 32 عاماً في محاولات إصلاح غير مجدية لشركة طيران يشير إلى شبه استحالة إصلاح أوضاع قطاعات أهم وأكثر تعقيداً