البحث العلمي ليس ترفاً يا سادة
كنت قد ناقشت، لسنوات عدة عبر مقالي الأسبوعي، عدداً من القضايا المتعلقة بواقع الحال فيما يتصل بموضوع البحث العلمي التطبيقي وأهميته على المجتمعات، وتأثير تقليص الميزانيات والإنفاق على المسألة وخلافه. وفور أن يقوم القارئ الكريم بعملية بحث على الكلمة الدالة (البحث العلمي) على إحدى منصات صحيفة الجريدة الكويتية سيجد كل المقالات ومعلومات إضافية أخرى كما أشرت. ولكن وفي سياق موضوع اليوم لعله مفيد أن نستخلص التالي ذكره مما سبق: 1. نفتقر بشكل عام في العالم العربي إلى ثقافة البحث العلمي ومعرفة أهميته. 2. لا ننفق حقاً على هذا البند ما يكفي، والأهم من هذا نحن نتوقع أن العوائد المادية والمالية لهذا البند تكون لحظية وسريعة بإنفاق شبه معدوم. 3. نفتقر إلى الدراسات والخطط الواضحة لجدوى الأبحاث التطبيقية العلمية لمعرفة العوائد والأثر. كل هذا يأتي في سياق أخبار الأسبوع الماضي والتي كانت (سبحانك يا رب) تتوالى يوماً من بعد يوم، ففي 27 أبريل الماضي خرج علينا تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD - مارس 2025، والذي نشرت عنه منصة الجزيرة (اقتصاد) التالي ذكره: الكيان الصهيوني هو الأكثر إنفاقا على البحث والتطوير على مستوى العالم بواقع 6.3٪ من الناتج المحلي، لتحتل دول مثل كوريا الجنوبية وتايوان والسويد المراكز ما بعد الأول، وصولاً إلى فرنسا بواقع 2.2٪. وبعد هذا الخبر بيومين اثنين نشرت الصحيفة الكويتية (الجريدة) تقريرا/خبرا مفاده أن ميزانية 2024 - 2025 قد تضمنت ومن أصل 3.4 مليارات دينار تم رصدها للتعليم، كانت ميزانية البحث والتطوير مليوني دينار فقط لا غير!!
لا يستحق الأمر هنا أن نحلل ونحسب نسبة الإنفاق وغيرها من أمور، لأنه وببساطة وبالمقارنة بميزانية الدولة، فإن الموضوع يكاد لا يذكر، وهو ليس إلا فتات الفتات. ولأنني بطبعي لست متفائلا ولا أنا متشائم، وأحب أن أصف نفسي بالواقعي، فإن تحليل هذا الأمر وإعادة النظر فيه يجب أن يكون واقعاً، بل واجب. هذه الأرقام المتناقصة عاما بعد عام إن دلت على شيء فإنها تدل على فقدان المسؤولين وصناع القرار الثقة في البحث العلمي، وما يمكن أن يدر على الدولة من منافع خاصة من النوع التطبيقي الفني. وهنا أنا لن أدخل في جدال بمسألة هل لهم حق في ذلك الأمر وانعدام الثقة أم لا، أم أنهم مخطئون وقد ظلموا أهل العلم والبحث، ولكنني سأنظر إلى التالي من أمر المستقبل القريب الذي نأمل أن يكون مشرقا.
كيفية إعادة الثقة في تعزيز هذا البند سهلة، وسهلة جداً، إن تضافرت الجهود ووجدت النية الصادقة لفعل الأمر وهو ليس بمستحيل. أولا على المسؤولين عن هذا الأمر والبند الإحاطة بأثر الجهات المحلية في الدولة وكيف لها أن تسهم في رفع اسم الكويت ولسنوات قادمة في المحافل الدولية والعلمية، وأثر نشر نتائجها في الدوريات المرموقة. كما يجب توجيه البحث العلمي في مسار خدماتي واضح لخطط الدولة، وأن تكون استراتيجية التنمية الوطنية مرتبطة بالبحث العلمي بشكل ملاصق. هذا علاوة على تمكين العنصر الوطني الشبابي من قيادة المشهد القادم، بشكل يمكنه من مواكبة التطورات المستقبلية التي يشهدها العالم بأسره. الخلاصة هنا وببساطة تكمن في معادلة الإنفاق والرقابة لتحقيق عوائد وتطورات تقنية متقدمة كما نصبو جميعاً لذلك.
على الهامش: استقرار المراكز القانونية وامتيازاتها أمر مهم على كل الصعد، فإن كان إصلاحاً يرتجى للمستقبل فيبدأ بشكل لحظي لا يجبّ ما قبله.