وجهة نظر: تأخر CMA في معاقبة المخالفين... تأنٍّ مبرر أم تقاعس وإهمال؟

نشر في 05-05-2025
آخر تحديث 04-05-2025 | 20:55
 د. سعود المطيري

مع صدور مرسوم تعيين مجلس جديد لمفوضي هيئة أسواق المال، مؤخراً، تتبادر إلى الذهن تحديات عدة تستوجب من الإخوة والأخوات مفوضي المجلس الجديد العمل الجاد للتغلب عليها. من أهم هذه التحديات، قضية التأخّر الملحوظ في إصدار عقوبات ضد من يرتكبون مخالفات تنتهك قوانين ولوائح الهيئة.

هذا التأخر في الكشف عن الانتهاكات أو معاقبة من يرتكبها له جوانب سلبية حيث يقوض ثقة المستثمرين، ويسمح للمخالفين الاستفادة من أفعالهم، ويعزز ثقافة عدم الامتثال.

كذلك، لا يقتصر تأثير التأخر في تحديد المخالفات في الأسواق المالية على المستثمرين فحسب، بل يؤدي إلى فقدان الثقة في الهيئات التنظيمية، التأثير سلباً على كفاءة هذه الأسواق المالية، عدم تكافؤ الفرص ما بين الشركات الملتزمة والشركات المخالفة، وتباطؤ الاقتصاد المحلي أو تقييد مستويات نموه.

أما الإشكالية فهي أن الجهات الرقابية في الدول النامية Developing Countries تحصل على «حصانة معنوية» مبالغ فيها تضمحل فيها لغة النقد مما قد يترتب عليه تهاون وتراخٍ في تنفيذ بعض الأدوار الرقابية بالشكل المناسب، ومن حيث التوقيت تحديداً. لذلك تهدف هذه المقالة الموجزة إلى تناول هذه الجزئية المهمة وشبه الغائبة عن النقاش الاقتصادي العام بهدف المساهمة من خلال نقد هذا الضعف في رفع مستوى كفاءة الجانب الرقابي والتنفيذي للهيئة بالشكل، الذي يليق بالأهداف المعلنة والمنصوص عليها في رؤية 2035.

ابتداءً، إن التأخير الذي نتحدث عنه ليس لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر وإنما يمتد في بعض الحالات إلى عدة سنوات بل وبلغ في حالة من الحالات ما يقارب 9 سنوات! حيث صدر قبل عدة أشهر إعلان عن عقوبة تجاه أحد البنوك المحلية ليس بسبب مخالفة تم ارتكابها بشكل مباشر من هذا البنك وإنما بسبب مخالفة تم ارتكابها في عام 2015 من بنك آخر تم الاستحواذ عليه، مؤخراً من البنك الصادرة بحقه تلك العقوبة.

وبمعنى آخر، تم تحميل مستثمري البنك المستحوذ كلفة هذه العقوبة التي إلى حين الاستحواذ لم تكن مرصودة أو معاقبة من الهيئة. ومن دون أي مجاملات، نعتقد أن إصدار عقوبة بعد مضي 9 سنوات كارثة بحق السوق تزعزع ثقة الجميع في مدى إحكام الرقابة على الشركات المدرجة من الهيئة وتطرح تساؤلات عن مدى التزام مجالس مفوضي الهيئة السابقة بأداء أحد أهم أدوارها.

والسؤال هنا، هو لماذا يحدث هذا التأخير؟ هل هو بسبب التأخر في رصد المخالفة؟ وإن كان كذلك، هل هذا بسبب قلة الإمكانات البشرية أو التكنولوجية أو نتيجة لضعف في كفاءة القائمين على رصد المخالفات؟ وفي حال لم يكن نتيجة لتأخر في رصد المخالفات وإنما لتأخر في إصدار العقوبة من الجهة المختصة، ما سبب ذلك؟ هل هو عائد إلى قلة الإمكانات البشرية قياساً إلى حجم المخالفات أم بسبب تعقيد الإجراءات أم لأسباب أخرى؟

لذلك، نعتقد أن معرفة الأسباب الحقيقية وراء ذلك يجب أن يكون هدفاً رئيسياً وأولوية قصوى لدى مفوضي الهيئة الجدد من أجل تسريع صدور العقوبات، فالتأخير غير المبرر والمبالغ فيه يبقى شكلاً من أشكال الظلم، حتى إن أتى لاحقاً بأحكام منصفة. فإن كان بسبب رصد أو كشف متأخر، فنرى أنه من المهم إصدار تشريعات تساهم في فعالية رصد المخالفات، استخدام تقنيات أكثر حداثة، تطوير العنصر البشري، والاستفادة من تجارب الهيئات المماثلة في الدول المتقدمة.

أما إن كان نتيجة لتأخر في دراسة كل مخالفة، فنقترح تبني آليات وأنظمة حديثة من مجلس التأديب توفر الوقت والجهد بالإضافة إلى الاستعانة بعدد لا بأس به من المستشارين الفنيين بحيث يتم تقليص زمن دراسة كل حالة إن كانت هناك حاجة لذلك في بعض القضايا.

ختاماً، نكرر أن التأخر في اكتشاف أو عقاب الممارسات غير القانونية لا يضر بالمستثمرين فحسب، بل يضر أيضاً بالجهات التنظيمية والشركات والأسواق المالية والاقتصاد ككل. «فالسوق المحلي لا يحتمل أي عوامل سلبية اضافية تثير مخاوف المستثمرين وتضعف من جاذبيته نتيجة لخوف المستثمرين من أن تكون الشركات الحالية لديها تجاوزات قديمة قد يدفع ثمنها مستقبلاً!» ويبقى السؤال: هل سوف نرى بعد مضي سنوات صدور مخالفات تجاه شركات مدرجة ارتكبت تلك المخالفات في أعوام سابقة أم سيقوم المجلس الجديد بإصلاح هذا الخلل من خلال تطوير آلياته وأدواته الرقابية والتنفيذية؟

* أستاذ التمويل ومحاضر سابق في جامعة بورتسموث – المملكة المتحدة

back to top