الذكاء الاصطناعي... ضيف الإنسانية الثقيل
تخيل عالماً تنفذ فيه المهام المعقدة بلمح البصر، تحل فيه المشكلات قبل أن تدرك وجودها، وتصمم فيه حلول مبتكرة تغير ملامح الحياة كما نعرفها، هذا ليس مشهداً من فيلم خيال علمي، بل واقع أحدثه الذكاء الاصطناعي.
الذكاء الاصطناعي لم يعد مجرد تقنية متطورة، بل أصبح العقل المحرك لعصرنا الحديث من السيارات ذاتية القيادة إلى الروبوتات الجراحية، ومن تحليل البيانات الضخمة إلى تصميم تجارب تعليمية، يضع الذكاء الاصطناعي بصمته في كل زاوية من حياتنا. إنه ليس مجرد أداة. إنه المفتاح الذي يفتح أبواب المستقبل، ويحمل بين طياته إمكانات لا حدود لها.
فكيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل عالمنا؟ وما سر هذه التقنية التي باتت تعرف بأنها القوة الدافعة وراء ثورة التكنولوجيا الحديثة؟
هذا المصطلح الذي فرض نفسه أخيراً، وصار مصدراً للجدل والنقاشات، بين مؤيد يعدد مزاياه ويرحب به، ويطالب بتطبيقه واستخدامه على نطاق واسع، ومعارض يحذر من استخدامه بشكل موسع ويشدد على ضرورة اقتصار عمله في نطاق محدد.
المناصرون يرون أن الذكاء الاصطناعي يمثل ثروة ومكسباً مهما جاء تتويجاً لجهود بحثية، يمكنه من التعامل مع البيانات المختلفة، والقيام بالمهام بشكل أكثر دقة وانضباطاً، وأقرب للسلوك البشري عن السلوك الاعتيادي للآلة التقليدية، ويعمل على تعزيز قدرة الأجهزة الإدارية المختلفة على اتخاذ القرارات المبنية على أسس علمية، اعتماداً على تحليل كميات ضخمة من البيانات، هذا عدا قدرة الذكاء الاصطناعي على أداء العديد من الأعمال بشكل يفوق ويتخطى الأداء التقليدي للآلات.
في المقابل، يرى الفريق المناهض ضرورة عدم التوسع في استخدامه، والمطالبة بالتوقف الصريح عن تطوير الأبحاث والتجارب المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، مؤكدين أن ما يتم تصنيفه على أنه مزايا هي نفسها العيوب التي يخشون منها، وأن التوسع في استخدامه سيعمل على اندثار الوظائف وتحولها إلى ذكرى تاريخية.
ويرون أن التعلل بقدرة الذكاء الاصطناعي على تحليل كميات ضخمة من المعلومات، وتصنيف ذلك على أنه من ضمن المميزات هو أمر يثير المخاوف بشأن الخصوصية، وانتهاك حريات الأفراد، وعدم وجود حد فاصل بين ما هو مسموح بنشره من معلومات، وما يفترض أنه معلومات شخصية.
أما الأمر الأكثر خطورة، في المخاوف التي يبديها الرافضون للتوسع في تطبيقه، فهو فقد التحكم في سلوك الآلات القائمة على الذكاء الاصطناعي، وتحررها من سيطرة الإنسان والعمل بشكل مطلق وحر. ومن هنا جاءت مطالبهم بضرورة التوقف الفوري للبرامج العاملة في مجال تطور الذكاء الاصطناعي أو خطط التوسع في استخدامه.
ومهما يكن من أمر، وبغض النظر عن المؤيدين والمعارضين، فإن الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً لا مفر منه، واقتحامه حياتنا المعاصرة، بكل تفاصيلها، لا يردعه رادع. وما ينبغي لنا في ظل الواقع الجديد، أن نبحث عن مسارات نسخر فيها التقنية لخدمة الإنسانية ومصالحها، من دون أن يكون لذلك التأثير على حياة الناس ومعاشاتهم، أو على الأقل تخفيف الآثار السلبية له.