كهرباء الصيف: حين تتحوّل الأزمة إلى مشروع وطني
مع اقتراب الصيف، تتهيأ الكويت لمواجهة أحد أكثر فصولها حرارة وتحدياً في قطاع الطاقة، إذ تشير التقديرات الرسمية إلى أن الأحمال الكهربائية القصوى قد تفوق عتبة الـ 18569 ميغاواط، أي بزيادة تتعدى الـ 1,000 ميغاواط عن العام السابق، في وقت يتوقع أن تتجاوز فيه درجات الحرارة عتبة الخمسين مئوية.
هذا السيناريو المقلق يضع شبكة الكهرباء الكويتية أمام اختبار قاسٍ، ليس فقط بسبب ارتفاع درجات الحرارة، بل أيضاً بسبب تراكم عوامل بنيوية وهيكلية متشابكة ساهمت في تعميق الأزمة.
وبالنظر إلى تفاقم الأزمة، قد تجد الحكومة نفسها مضطرة إلى اتخاذ تدابير استثنائية خلال أشهر الصيف، أبرزها القطع المبرمج للتيار الكهربائي خلال ساعات الذروة، أو إلزام المنشآت الكبيرة بخفض استهلاكها خلال فترات محددة - رغم قسوة هذا الحل واضراره بالإنتاج الوطني- بل وربما فرض تعرفة كهرباء تصاعدية لتشجيع الاعتدال والتقليل من الهدر.
يشكّل النمو السكاني والعمراني أبرز هذه العوامل، إذ شهدت البلاد توسعاً ديموغرافياً وعقارياً سريعاً لم ترافقه استثمارات كافية في تطوير البنية التحتية لشبكات الكهرباء، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الطلب والطاقة الإنتاجية المتاحة، ومما يزيد الطين بلة استمرار الاعتماد شبه الكامل على مصادر الطاقة التقليدية، لا سيما النفط والغاز، لتوليد الكهرباء، في ظل التأخر في تبني استراتيجيات فعالة للطاقة المتجددة. هذه الحقائق والوقائع أدت إلى شبكة كهرباء شديدة الهشاشة، تفتقر إلى المرونة اللازمة لمجابهة ذروة الطلب الصيفي.
يُضاف إلى ما سبق الافراط الكبير في أنماط الاستهلاك، حيث يُستهلك ما يزيد على 70% من إجمالي الطاقة في القطاع السكني، وسط ضعف في ثقافة الترشيد وغياب الحوافز الاقتصادية والتدابير العقابية التي تدفع المستهلك إلى خفض استهلاكه، مع عدم اكتمال منظومة الكفاءة ومفاهيم الاستدامة.
في هذا السياق، تبدو الحاجة ملحّة إلى شراكة حقيقية بين الدولة والمواطن والقطاع الخاص، إذ لا يمكن للحكومة وحدها مواجهة هذه التحديات، فترشيد استهلاك الكهرباء يبدأ من السلوك الفردي، سواء من خلال استخدام أجهزة ذات كفاءة عالية، أو عبر تبني ممارسات بسيطة كإطفاء الأجهزة غير المستخدمة والاستفادة من الإضاءة الطبيعية.
أما القطاع الخاص، فيمكنه أن يلعب دوراً ريادياً من خلال الاستثمار في تقنيات الطاقة النظيفة، مثل الألواح الشمسية وأنظمة التبريد الموفّرة للطاقة، واعتماد معايير الكفاءة في تصميم المباني والمنشآت الصناعية، عبر استخدام مواد عازلة وأنظمة ذكية للتحكم في الإضاءة والتكييف، بما يسهم في تخفيف العبء عن الشبكة الوطنية، لا سيما في أوقات الذروة، ناهيك عن دوره الفاعل في منظومة الشراكة التعاقدية والتنموية مع القطاع العام لبناء منظومة طاقة متكاملة أكثر استدامة وصداقة مع البيئة.
***يبرز مما سبق حاجة ملحة لوضع وتبني خارطة طريق استراتيجية تشمل تسريع مشاريع الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مع تحديث شامل للبنية التحتية الكهربائية بما يضمن تقليل الفاقد ورفع الكفاءة، الأمر الذي يجب أن يترافق مع إصلاح نظام التعرفة الكهربائية بحيث يكون أكثر عدالة ومرونة، بما يشجّع على الترشيد دون المساس بحقوق الفئات محدودة الدخل. ومن المبشر في هذا الشأن ما كشفت عنه مصادر بوزارة الكهرباء والماء أن الوزارة تدرس إنشاء أربع محطات لإنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة الشمسية بقدرة تبلغ 2000 ميغاوات، لتعزيز القدرة الإنتاجية، ورفع نسبة الطاقة المنتجة من المصادر المتجددة إلى 15% بحلول 2030.
وفي السياق ذاته، تُعدّ الحملات الوطنية للتوعية بأهمية ترشيد الطاقة ركيزة أساسية، شريطة أن تكون شاملة ومستمرة، وتشمل أدوات التعليم والإعلام والخطاب الديني، مع ارفاقها بحوافز وتشريعات تضمن فعاليتها.
***إن الأزمة التي تلوح في أفق صيف الكويت ليست أزمة تقنية فقط، بل هي تحدٍ لمفاهيم الإدارة الرشيدة للطاقة، ولقدرة الدولة والمجتمع على التكيف مع معطيات جديدة تتطلب تغييراً حقيقياً وملحاً في السياسات والسلوكيات على حد سواء. وإذا ما استُثمرت هذه اللحظة الحرجة في بناء استراتيجية طويلة الأمد للطاقة المستدامة، فإن الكويت لن تنجو من الأزمة فحسب، بل ستؤسس لنموذج قابل للتكرار في المستقبل في كافة القطاعات الحيوية.
* كاتب ومستشار قانوني