الضجيج الإعلامي الفارغ... قانون الاستثمار أنموذجاً!
في الآونة الأخيرة اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي بخبر إقرار البرلمان اليمني، الخاضع لسيطرة سلطة الأمر الواقع «الحوثيين» في صنعاء، قانون الاستثمار اليمني الجديد، والصادر في مطلع عامنا الحالي 2025م، وتحت عنوان «رؤية جديدة»! سبق هذا الخبر تفاخر وزير المالية في الحكومة غير المعترف بها دولياً - عبر تغريدته في منصة X - بإنجازه لهذا القانون، بل وأعدَّه أفضل قانون استثمار في المنطقة!! وهنا يتساءل المرء عن ماهية الفرص الاستثمارية الجديدة في هذا البلد الذي تتناوشه الحرب الأهلية المستعرة والمتواصلة منذ عام 2014م؟! بل وما هي آفاقه ومزاياه لجذب الاستثمار الإقليمي والعربي والدولي - كما نصَّت مادته الأولى -؟! وبالتالي ومن هو المستثمر المغامر الذي قد يُقدم على استثمار أمواله في اليمن في هكذا وضع وبهكذا مناخ؟!
وكنت أحبذ أن يعرج - معاليه - إلى سرد أو إيراد ما سيقدمه هذا القانون في ظل سيلٍ من المضايقات والملاحقات التي طالت المستثمرين اليمنيين خلال أكثر من عقدٍ ونصف، أي منذ دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء، وإسقاطهم للدولة اليمنية، هذه الملاحقات التي لم تتوقف يوماً قط، ووصل بها إلى إجبار أولئك المستثمرين على دفع غراماتٍ وضرائب سنواتٍ سابقة، وبأثرٍ رجعي، هذه الضرائب أو الإعفاءات الضريبية والجمركية التي مُنحت لهم كانت نتاج المزايا التي قدَّمها ونصَّها قانون الاستثمار الصادر عام 2010م، والذي حدَّد إعفاءاتٍ قد تصل إلى 10 سنواتٍ مُعفاة من الضرائب للمشاريع في المناطق النائية والاستراتيجية، كإحدى وسائل الجذب الاستثماري في اليمن.
وقد أجبرت هذه المضايقات رؤوس الأموال على الهجرة إلى دولٍ في المنطقة، كالسعودية والإمارات ومصر ولبنان وتركيا وألمانيا وبريطانيا... وغيرها، حيث تشير التقديرات الدولية إلى أن حجم رؤوس الأموال اليمنية المهاجرة خلال الفترة الموضحة عاليه تتجاوز الـ30 مليار دولار، كانت البلاد في أشد الحاجة لها من أجل رفع مستوى تنميتها واقتصادها، وخلق فرص عملٍ لشبابها، وتنويعٍ لمصادر دخلها القومي.
وسأورد هنا جزئية عن ذلك المال المهاجر، فخلال الفترة (2014 - 2024م)، بلغ حجم الاستثمار اليمني في المملكة العربية السعودية، نحو 18 مليار ريال (4.8 مليارات دولار)، لتحتل المرتبة الـ 13 عالمياً من حيث حجم الاستثمارات الأجنبية في السعودية، وشملت هذه الاستثمارات العديد من القطاعات المستهدفة كتجارة الجملة والتجزئة (المواد الغذائية، الملابس، الأدوات المنزلية)، والمقاولات، والتصنيع، والخدمات اللوجستية، وهذا الأمر لم يأتِ من فراغ بل نتاج لمضايقات الداخل، ولجذب الخارج، فالحوافز والتسهيلات التي قدمتها السعودية للمستثمرين اليمنيين كتسهيلها إجراءات التراخيص، وتقديم حوافز ضريبية واستثمارية، وضمان بيئةٍ استثماريةٍ مستقرة، جعلتها البلد الأقرب لاستثمار أموالهم، وتطوير مدخولاتهم... فما بالكم بمزايا وفرص الاستثمار في مصر وتركيا وغيرها من البلدان؟!
الجدير بالذكر أن هذا القانون لم يأتِ بجديد، وإنما جاء كمحاولةٍ لذر الرماد في العيون، فلا الواقع يسمح، ولا البيئة مقبولة وجاذبة للاستثمار، وإنما يُراد به حاجة في نفس يعقوب، والأيام المقبلة كفيلة باستكشافها، علماً أن لليمن سجلاً كبيراً في إصدار قوانين خاصة بالاستثمار، حيث يعود أول قانونٍ للاستثمار صادر في صنعاء إلى عام 1975م، كما صدر قانون مماثل في عدن عام 1990م، أي قبل تحقيق الوحدة اليمنية بشهورٍ قليلة، وبعد تحقيقها وقيام الجمهورية اليمنية صدر قانون الاستثمار عام 1991م، وخضع للعديد من التعديلات في عامي 1995 و1997م، ثم صدر قانون استثماري جديد حمل مزايا جاذبة عام 2002م، وآخرها قانون عام 2010م، والأخير لا يزال ساري التنفيذ في مناطق الحكومة الشرعية المناوئة للحوثيين.
وباختصارٍ شديد، القانون الجديد وُلِدَ ميتاً، وتحديداً في ظل هذه الظروف المُعقَّدة والصعبة والتي لا وجود لمقومات الدولة، ولا وجود للبيئة الاستثمارية الجاذبة، ولا وجود لعنصري الاستقرار والأمان في اليمن برمته... اللهم إلا إذا كان المقصود من إصداره هو تشجيع فئة رؤوس الأموال والتجار الجدد الذين ظهروا في الساحة اليمنية، ومن قلب الحرب!
اللهم أنت أعلم وأدرى!
*صحافي يمني