بدون مجاملة: المثقف الأحمق
تغيَّر تعريف الثقافة على مر العقود، وطال ثم قصر، واستقر على أنه: تركيب معقد للمعرفة والفنون والأخلاق والعادات والمعتقدات التي يكتسبها الإنسان كفرد من المجتمع. ثم اقتحم الساحة تعريف آخر، وهو أن الثقافة «تطبيق» للمعرفة.
الكثير من الناس يعتبر نفسه مثقفاً، بسبب درجته العلمية، أو لأنه صاحب هواية أو مهنة بمسمى برَّاق، أو لأنه قرأ كتاباً أو رواية، أو لأنه رحالة!
لكنك حين تتعامل معه تستنكر أسلوبه، ألفاظه، تفسيراته، وتوجهاته.
متطرِّف في المشاعر والأفكار، متقلِّب المزاج، يفرض رأيه، يزدري الآخرين، يتدخل فيما لا يعنيه... ويُحيرك أمره! فلا تجد وصفاً لحاله إلا أنه أحمق!
الأحمق ليس غبياً، ولا جاهلاً، وليس مغفلاً أو سفيهاً. فالصفات الأخرى ترتبط بقلة الإدراك، محدودية القدرات، انخفاض الوعي، ثقل الفهم.
يُعَرَّف الأحمق على أنه مَنْ فسد رأيه. وإني لأجزم بأن مَنْ فسد رأيه... حتماً فسد قوله وتعامله، ولا تصلح عشرته. ويُوصف الأحمق بعجزه عن مواجهة المواقف بما يليق بها، إلا أن عجزه ليس نابعاً من جهل أو ضعف، بل لأنه لا يريد فعل الصواب، رغم علمه به، مغتر بنفسه!
الأحمق متهور في سلوكه- في ردوده- في انفعاله، لا يضع اعتباراً لعواقب الأمور، يلغي الذوقيات، مشوش العاطفة، أرعن في تعامله، لأنه يريد للأمور أن تجري كيفما يشتهي. يُلح لنيل ما ليس من حقه، وكأنما يريد انتزاعه! فيُسقِط الضوابط أمام أهوائه، ويمحو الحدود! فهو شخص أهوج، وتفكيره معوج! يفعل الشر، وينتظر الخير، وإلا جعلك أنت الشرير والمتجاوز! يفرّ من المواجهة، ويتحامل على الجميع.
ومن أمارات الأحمق كثرة تلونه، بحثاً عن القبول والاستلطاف، وتلميع صورته، مع اعتقاده أن الاستخفاف وبذاءة اللسان قوة وحضور.
كما أن الأحمق يقول ما يفكر فيه دون روية، ويبرر بأنه عفوي! يسعى لجذب الانتباه، فهو مفرّغ داخلياً، تائه، ممزق، ويرقع ثقوبه النفسية بالتقلب والتلون. دائماً ما يُلقي اللوم على الآخرين. وفي قلب هذه الفوضى يظن نفسه أعقل الناس!
تصور هذا الشخص ذاته نال درجة علمية موثوقة، وتسلّم مهام وظيفية مرموقة، قابل مختلف الشخصيات، ظهر على الشاشات، سافر وارتحل وخالط الناس، شاركهم أحاديثهم، وجالسهم على موائدهم، وأظهر «ثقافته»، فصدقوه وأكرموه!
ما فائدة الثقافة إن لم تهذب سلوكنا؟ إن لم تطور قدرتنا على حل المشكلات، على النمو بمعارفنا، وتحسين إدراكنا، والارتقاء بأساليب تواصلنا؟ ما قيمة الثقافة إن لم تحرِّك الذهن وتسمو بالخلق؟ ما معنى الثقافة إن لم تسهل علينا حياتنا وتنجح علاقاتنا؟ وتعيننا على مراجعة ذواتنا وروابطنا؟
عندما تكون الثقافة رداءً، فإنها تبلى بسرعة! فلا عجب أن الأحمق المثقف لديه «حشد» من المعارف و«المتابعين» والأصدقاء «القدامى»! لكنه بلا جليس صالح، وبلا خليل ناصح، وبلا مُحب مخلص، لأن صحبته مرهقة، ومن هنا قيل: «احذر مصاحبة الأحمق».
وفي اللغة، الأحمق: طائِشٌ، بليدٌ، لئيم، وضده: الحليم الفَطِن الوقور.
أيها الحمقى... أخزاكم الله، وأبعدكم.