كل مطرود ملحوق

نشر في 02-05-2025
آخر تحديث 01-05-2025 | 18:23
 ناصر حضرم

في متاهات هذه الحياة، كم من الأقدار تعصف بالإنسان، فتقلب مراكبه حيث لا يشتهي، وتُبعثر أوراقه حيث لا يظن، فتضيق به السُّبل، ويُخيَّل إليه أن كل الأبواب قد أُغلقت، وأن الرحلة قد بلغت آخرها، فيقف في منتصف الطريق يحدِّق في العدم، يبحث عن بصيص ضوء، فلا يرى سوى العتمة تتكاثر في عينيه.

لكن الحقيقة - وإن غابت عن الأبصار - تظل تتلألأ في عُمق الغيب، لا تبصر إلا بعيون مَنْ أسلم قلبه لليقين، واطمأن أن الطرد قد يكون حراسة، والمنع قد يكون عناية، والتأخير قد يحمل في طياته أعظم العطايا.

فما ظننته خسارة قد يكون صوناً، وما حسبته خذلاناً قد يكون اختياراً إلهياً لخير لم يخطر لك على بال. ألم تسمع قوله: «وفي السماء رزقكم وما توعدون»؟

فكيف تظن أن رزقك يُنتزع منك أو يُخطئ عنوانك؟!

هو الذي جعل لك رزقك مكتوباً، وأجلك مضبوطاً، وأقدارك مرسومة بمِداد الحكمة، لا يسبقك إلى ما هو لك أحد، ولا تأخذ من نصيب غيرك شيئاً.

وإن أبطأ عليك الفرج فلا تجزع، فقد يكون التأخير نسجاً لأقدارك على مهل، لكي تأتيك الثمرة ناضجة، والنعمة وافرة، والرزق خالياً من الكدر.

وكم من حاجة استعجلها صاحبها، فلما أُوتيها قبل أوانها كانت وبالاً عليه.

يا مَنْ أضناك الانتظار، لا تبتئس إن ضاقت عليك الأرض بما رحُبت، ولا تحزن إن سُدَّت في وجهك الأبواب، فربك الذي خلقك من عدم، لن يضيعك في زحمة الحاجات.

هو اللطيف، الذي يخبِّئ عطاياه خلف أستار المنع، ويهديك بيد المنع ما لم تكن تُحسن الدعاء به.

فلا تحزن إن تأخرت أقدارك عن ساعة أملك، فإن كل شيء يأتي في أجمل حين، وفي أكمل صورة، وفي أصفى وجه.

واعلم أن ما فاتك لم يكن لك، وما كُتب لك لن يمنعك عنه أحد، وإن تأخر عنك فهو قادمٌ في أجمل ثوب، محمولاً على أجنحة اللطف الإلهي.

فلا تجزع، ولا تُرهق قلبك باليأس، فوراء كل منع عطاء، وفي كل تأخير حِكمة، وفي كل مصيبة لُطف خفي لا يُدركه إلا من نظر بعين الرضا.

back to top