في المرمى: الهروب من قبضة الأندية!
إذا أردت أن تفهم حال كرة القدم الكويتية، فابدأ من ملعب الطفل... لا من استاد الكبار! فبينما كان من المفترض أن يكون النادي هو البيت الأول والآمن لأي موهبة رياضية، صار الأب اليوم يبحث عن «أكاديمية خاصة»، ويدفع من جيبه بسعادة، فقط ليتفادى «متاهة الأندية» و«دوخة الاستغناء»، كما يفضل بعض أولياء الأمور بيئة الأكاديميات لأنها أقل توتراً وضغطاً نفسياً على أبنائهم، خصوصاً في المراحل المبكرة من العمر، حيث لا تكون هناك منافسات شرسة أو طموحات مهنية فورية.
ولا بد أن نعترف أن التوجه المتزايد نحو الأكاديميات الخاصة يعكس رغبة أولياء الأمور في توفير بيئة رياضية متكاملة وآمنة لأبنائهم، تضمن لهم التطوير والتميز دون قيود بيروقراطية، وأن على الأندية التقليدية أن تعيد النظر في سياساتها وإجراءاتها لتواكب هذه التغيرات وتستعيد ثقة المجتمع الرياضي.
فالأندية التي تتفاخر بأنها تصنع الأبطال لا تقدم للاعبين الصغار حوافز معنوية أو مادية واضحة، بل قد تُهملهم تدريجياً، مما يجعل الأكاديمية أكثر جاذبية، خاصة عندما تقدم مشاركات في بطولات خارجية أو شهادات معتمدة.
أما الانتساب للأندية فيشبه الزواج الكاثوليكي: بلا طلاق وإذا ما كبر اللاعب وأراد الانتقال فعليه أن يدخل نفق «الاستغناء»، الذي يبدأ بالطلب ويمر بالواسطة وينتهي بالاستجداء، والاستثناء، وكل ذلك لأن الوالد وقع ورقة طفله الذي لم يتجاوز الثانية عشرة آنذاك!
لذلك الوالد أو ولي الأمر أصبح اليوم أكثر وعياً «وما يبي عوار راس»، فتجده يتجه للأكاديميات حيث التسجيل البسيط وفق الحاجة وبالطريقة التي يريد، وانسحاب وقت ما يحب، وربما مدرب يرسل تقريراً أسبوعياً عبر الواتساب، والأهم لا التزام مدى الحياة! الأكاديمية هنا تقول: «ادفع، والعب، وإذا ما عجبك، مع السلامة» في حين يقول النادي: «سجلنا اسمك، ووقّعت، والحين لا تطالع برّه!» والنتيجة؟ مواهب تفضل الركض في ملاعب الأكاديميات على الجلوس على دكة بدلاء لا تتحرك.
والأطرف أن بعض الأندية تصر على التوقيع مع الطفل قبل أن يعرف معنى كلمة «مركز لعب»، فيتحول من لاعب وسط إلى مهاجم إلى مدافع أو العكس حسب المزاج أو رؤية المدرب «اللي أصلاً متعين بالواسطة»! وبعد أول مباراة، إذا لم يسجل، يُرسل إلى «الدرج الثاني» في قلب الفريق الرديف!
لكن دعونا لا ننسى الأكاديمية نفسها، فهي ليست جمعية خيرية، فسعر الحصة التدريبية، سواء كانت يومية أو أسبوعية، يوازي قيمة شحن لعبة إلكترونية لطفل مهووس بالانتصارات! لكنها على الأقل تمنح الطفل شعوراً بأنه نجم المستقبل، لا مجرد رقم في دفتر الحضور الإداري و«عبء إداري مؤجل».
أما هيئة الرياضة، فهي تراقب هذا المشهد بهدوء يشبه موظف الاستقبال في متحف شمع، تعلم أن الأندية تتسرب منها المواهب، وأن الأكاديميات صارت بديلاً حقيقياً، لكنها تكتفي بإصدار تعاميم، لا أحد يقرأها، وتذكير الجميع بالقوانين التي تشبه كتب التاريخ «تُدرّس ولا تُطبّق»!
بنلتي
الوالد لا يبحث عن بطولة آسيا، بل عن مكان لا «يحبس» ابنه بعد توقيع مبكر، ولا يهدده أو يبتزه كلما فكر في الانتقال، وفي النهاية، صار شعار أولياء الأمور: «أكاديمية خاصة بلا بطولة، أرحم من نادٍ بـ100 قيد إداري!» فهل نلومهم؟ أم نلوم من جعل الأندية أشبه بـ «برج بدون مخرج طوارئ»؟