الكويت: اتساع عجز موازنة السنة المالية 2025-2026

على الرغم من سياسة ضبط الإنفاق

نشر في 29-04-2025
آخر تحديث 28-04-2025 | 16:43
No Image Caption

أقرت الحكومة مسودة موازنة السنة المالية 2026-2025، والتي تتوقع وصول مستوى العجز إلى 6.3 مليارات دينار (ما يعادل 13% من الناتج المحلي الإجمالي) مقابل 5.6 مليارات وفقاً لموازنة السنة المالية 2024-2025. وعلى الرغم من بقاء النفقات الجارية عند مستويات قريبة من الموازنة السابقة فإن إجمالي النفقات لا يزال مرتفعاً، مما يؤكد الحاجة الملحة لتطبيق إصلاحات هيكلية تضمن استدامة المالية العامة على المدى الطويل.

من جهة أخرى، تشير التوقعات إلى انخفاض الإيرادات النفطية نتيجة افتراض تراجع أسعار النفط الخام بما يفوق تأثير النمو المتوقع للإيرادات غير النفطية. ومن المنتظر أن يكون عام 2025 محطة مفصلية للمالية العامة، إذ تستعد الحكومة لتنفيذ عدد من الإجراءات الرامية إلى تعزيز السيولة، وزيادة الإيرادات غير النفطية، وترشيد الإنفاق. في هذا السياق، تعتبر الموازنة الحالية بمنزلة خطوة تمهيدية قبل إجراء تعديلات مالية أكثر عمقاً في المستقبل القريب.

حددت موازنة السنة المالية 2026-2025، النفقات عند 24.5 مليار دينار، بانخفاض هامشي نسبته 0.1% مقارنة بالموازنة السابقة، مما يعكس ضبط النفقات بوتيرة متواضعة، في ظل التزام الحكومة بسقف المصروفات المعلن مسبقاً. وتظهر تفاصيل الموازنة زيادة بنسبة 1.6% في بند مكافآت الموظفين، يقابلها تراجع في مخصصات الدعوم (- 2.2%)، والمصروفات الأخرى (- 3.7%)، والنفقات الرأسمالية (- 1.7%).

ويمثل الانخفاض في الإنفاق الرأسمالي امتداداً للاتجاه الهبوطي المستمر على مدار أربعة أعوام، رغم الحاجة الماسة إلى دفع عجلة تطوير البنية التحتية بما يتسق مع رؤية الكويت 2035. وفي ظل هذا التوجه، لا تزال التحديات الهيكلية قائمة، إذ تستحوذ النفقات المتعلقة بالأجور والإعانات على نحو 80% من إجمالي المصروفات، بينما تواصل حصة النفقات الرأسمالية تراجعها (9.1%)، مما يعكس تباطؤ وتيرة الاستثمار في المشاريع التنموية. وقد يكون لقيود السيولة دور محتمل في الحد من الإنفاق الرأسمالي خلال السنوات الأخيرة.

وعلى صعيد الإيرادات، تتوقع موازنة السنة المالية 2026-2025 انخفاض الإيرادات النفطية إلى 15.3 مليار دينار (- 5.7% على أساس سنوي) نتيجة افتراض سعر نفط أقل يصل إلى 68 دولارا للبرميل مقابل 70 دولارا وفقاً للموازنة السابقة، إلى جانب الانخفاض الهامشي لإنتاج النفط إلى 2.50 مليون برميل يومياً مقابل 2.55 مليون برميل يومياً (برجاء الرجوع إلى الجدول رقم 1).

في المقابل، من المتوقع أن تحقق الإيرادات غير النفطية نمواً بنسبة 9% على أساس سنوي، لتصل إلى المستوى القياسي 2.9 مليار دينار، بدعم من اتباع تدابير جديدة لتعزيز الايرادات الحكومية، إذ شهد يناير 2024، فرض ضريبة دخل جديدة على الشركات الكبرى متعددة الجنسيات بحد أدنى 15% بما يتسق مع مبادرة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لترتفع بذلك الإيرادات الضريبية إلى 250 مليون دينار، مقابل 160 مليونا في ميزانية 2025-2024، وفقاً لتقديرات وزارة المالية.

كما تشمل تدابير الإصلاح المالي استحداث قانون مرور جديد، يتضمن تطبيق عقوبات أكثر صرامة على المخالفات المرورية، ومن المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في أبريل الجاري. إضافة إلى ذلك، سيتيح قانون جديد للوزارات إعادة تسعير رسوم الخدمات الحكومية، بعد موافقة مجلس الوزراء، ليشمل إيجارات الممتلكات ورسوم الخدمات الإدارية، والقضائية، والصحية، والحكومية.

قانون جديد للدين العام

ووافق مجلس الوزراء مؤخراً على قانون جديد للدين العام، مما سيمهد الطريق أمام عودة دخول الحكومة إلى سوق السندات للمرة الأولى منذ انتهاء العمل بالقانون السابق في عام 2017. وقد حدد القانون الجديد سقف الدين العام بمبلغ 30 مليار دينار كحد أقصى (97.8 مليار دولار)، أي ما يعادل سقف دين يبلغ حوالي 60% من الناتج المحلي الإجمالي (للسنة الحالية). كما يتيح القانون الجديد إصدار أدوات مالية بآجال استحقاق تصل إلى 50 سنة، مما يؤسس لإطار قانوني طويل الأجل لتنظيم الاقتراض العام.

وسيتيح القانون للحكومة الوصول للتمويل محلياً أو عالمياً، مما يوفر خيارات متعددة لإدارة الدين العام، كما سيساهم في تطوير أسواق المال المحلية عبر خلق منحنى عائد سيادي مرجعي، إضافة إلى توفير أدوات استثمارية للقطاع المصرفي خاصة في ظل انخفاض الرصيد القائم للدين العام الحكومي (لا تتجاوز قيمة الديون مستحقة السداد 1.4 مليار دينار).

كما يتوقع أن يتبع هذا القانون إصدار تشريع آخر ينظم آليات السحب من صندوق الأجيال القادمة، صندوق الثروة السيادي الكويتي، والذي تجاوزت أصوله المدارة تريليون دولار وفقاً لتقرير حديث من معهد الصندوق السيادي (SWFI). وتأتي هذه الإصلاحات في إطار تعزيز السيولة المالية للدولة، ما سيوفر حيزاً مالياً أوسع لتمويل العجز وزيادة النفقات الرأسمالية في الميزانيات المقبلة، خصوصاً في ظل الضغوط المستمرة على خزينة الدولة باعتبارها المصدر الوحيد لتمويل العجز خلال السنوات الأخيرة وتعزيز التصنيف الائتماني السيادي للكويت.



الموازنة الجديدة قد تكون نقطة انطلاق نحو إصلاحات أكبر

في ظل الزيادة الهامشية لأجور الموظفين واستقرار معدلات النفقات الجارية دون تغيير يذكر، يبقى الزخم الداعم لنمو الاستهلاك الخاص محدوداً. في المقابل، يعكس التراجع الهامشي لمخصصات الإنفاق الرأسمالي تراجع الدعم الموجه للاستثمار، وذلك على الرغم من إمكانية ارتفاع الإنفاق الفعلي، خاصة في ظل الفجوة المستمرة بين المخصصات المدرجة في الموازنة ومعدلات الانفاق الفعلية خلال السنوات الماضية. وبصفة عامة، لن تحمل هذه الميزانية طابعاً توسعياً إلا إذا تزامنت مع زيادة وتيرة تنفيذ المشاريع الرأسمالية. وعلى الرغم من ذلك، فإن ضبط النفقات، إلى جانب استحداث مصادر جديدة للدخل، حتى لو كانت متواضعة، قد يشير إلى بداية مرحلة من التعديلات المالية الأكثر تأثيراً في المستقبل.

ويبدو أن وتيرة الإصلاحات التشريعية قد تسارعت هذا العام، مما يمهد الطريق لحزمة من التعديلات المالية والاقتصادية بانتظار الموافقة النهائية من مجلس الوزراء. وتشمل هذه الإصلاحات إعادة هيكلة ودمج الوحدات الحكومية، وتحديث قانوني الخصخصة والشراكة بين القطاعين العام والخاص، إضافة إلى قانون الرهن العقاري، كما يتوقع أن يحمل قانون إعادة تسعير الخدمات تأثيرات مالية واسعة النطاق، خاصة في ظل إمكانية الإلغاء التدريجي لدعوم الطاقة والمياه، والتي تعد من أبرز بنود النفقات، على غرار التجارب الناجحة التي طبقتها السعودية والإمارات.

back to top