حفل المدرسة البريطانية في الكويت

نشر في 28-04-2025
آخر تحديث 27-04-2025 | 18:23
 د. حمد محمد علي ياسين

تلقيت دعوة كريمة قبل حوالي أسبوع من السيدة الفاضلة فيرا المطوع، لإلقاء كلمة لخريجي المدرسة البريطانية في الكويت خلال حفل تخرجهم، الذي أُقيم في فندق الريجنسي.

سعدتُ كثيراً بهذه الدعوة، لما تحمله من رمزية كبيرة، ليس فقط كونها مناسبة احتفالية، بل لأنها تمثل نقطة تحوُّل في حياة جيل جديد يستعد للانتقال من المرحلة المدرسية إلى آفاق أوسع من التحديات والطموحات.

المدرسة البريطانية في الكويت ليست مجرَّد مؤسسة تعليمية تقليدية، بل صرح أكاديمي متميز لعب دوراً محورياً في مسيرة التعليم بالكويت.

على مدى عقود، رسخت المدرسة مكانتها كواحدة من أبرز المدارس الخاصة في البلاد، بما توفره من بيئة تربوية ملهمة تجمع بين الجودة الأكاديمية والرؤية التربوية المتقدمة. خريجوها ينتقلون سنوياً إلى أعرق الجامعات العالمية، وهذا يعكس حجم العمل الدؤوب والحرص الشديد على صقل العقول وتنمية المهارات منذ سنوات التأسيس الأولى.

خلال كلمتي في الحفل، حاولت أن أبتعد عن الخُطب التقليدية المليئة بالشعارات. وبدلاً من ذلك، اخترت أن أشارك الخريجين وذويهم أربع رسائل أؤمن بأهميتها في هذا المفصل الحاسم من حياتهم.

الرسالة الأولى كانت عن الفرق بين الجواب والسؤال. ففي المدرسة، يُكافأ الطالب على تقديم الإجابة الصحيحة، وتُقاس درجاته بمدى دقته في الإجابة، لكن الحياة خارج أسوار المدرسة، سواء في الجامعة أو بمسيرته المهنية، ستعلِّمه أن القدرة على طرح الأسئلة، وتحديداً الأسئلة الصحيحة، لا تقل أهمية عن معرفة الأجوبة، بل قد تكون أهم منها. فالسؤال هو بداية الاكتشاف، ووقود المعرفة، وبوابة النمو. وعندما سقطت التفاحة على رأس إسحاق نيوتن، اكتفى الجميع بوصف الحدث، لكنه وحده سأل: لماذا سقطت؟ وكان هذا السؤال البسيط هو ما فتح له الباب لاكتشاف قوانين الجاذبية التي غيَّرت فهم البشرية للطبيعة.

أما الرسالة الثانية، فقد كانت دعوة لتحطيم القوالب. كثيراً ما يُفرض على الشباب التفكير بطريقة نمطية حين يتعلَّق الأمر بمستقبلهم: ماذا ستدرس؟ ماذا ستصبح؟ وكأن العالم لا يتسع إلا لمسارات محدَّدة يجب اتباعها. نقول دائماً «فكِّر خارج الصندوق»، لكنني دعوتهم إلى ما هو أبعد: فكروا دون صناديق. لا تقيِّدوا أنفسكم، ولا تسمحوا للمجتمع بأن يُملي عليكم مساراً واحداً للنجاح. ابحثوا عن شغفكم، واتبعوه بشجاعة، فالشغف هو البوصلة الأصدق لمسيرة مهنية طويلة ومرضية.

الرسالة الثالثة كانت عن الفشل، تلك الكلمة التي يخشاها الكثيرون ويهربون منها، فيما هي بالواقع جزء لا يتجزأ من طريق النجاح. للأسف، يُقدَّم الفشل في ثقافتنا وكأنه نقيض النجاح، فيما هو بالحقيقة أحد أركانه. تحدَّثت عن أمثلة لأشخاص بدأوا من الإخفاق، وتحوَّل فشلهم إلى نقطة انطلاق نحو مجدٍ شخصي وعالمي. توماس إديسون أخفق مئات المرات قبل أن ينجح في اختراع المصباح الكهربائي. والت ديزني، طُرد في بداياته من عمله الصحافي لأنه «يفتقر إلى الخيال»، واليوم تُعد شخصياته جزءاً من ذاكرة الطفولة في كل بيت. هذه الأمثلة تبيِّن أن الفشل يجب ألا يُخيفكم، بل يجب أن يكون مدعاة للتعلم والإصرار.

أما رسالتي الأخيرة، فكانت عن العقد القادم من حياة الخريجين. العقد الذي يمتد من أواخر سن المراهقة إلى نهاية العشرينيات هو بمنزلة مفترق طرق. فيه تتشكَّل الملامح الأساسية للهوية الشخصية والمهنية. في هذا العقد، سيختار كل منهم تخصصه، ويتخذ قرارات حاسمة، ويُكوِّن شبكة علاقاته الاجتماعية والمهنية. هذا العقد ليس وقتاً للمجاملات أو التردد، بل هو مرحلة بناء الذات، بكل ما فيها من محاولات وتجارب. دعوتهم إلى أن يخوضوا هذه المرحلة بشجاعة، وأن يتعلَّموا من كل تجربة، ناجحة كانت أم متعثرة، لأن كل تجربة تضع لبنة في جدار نضجهم الشخصي والمهني.

في نهاية الحفل، وبينما كانت أسماء الجامعات التي قُبل فيها الطلبة تُعرض على الشاشة، شعرت بفخر حقيقي. شباب وشابات من الكويت حصلوا على مقاعد في العديد من الجامعات المرموقة حول العالم، وفي تخصصات متنوعة تعكس تنوُّع اهتماماتهم وشغفهم. لقد رأيت فيهم جيلاً يحمل طاقة هائلة وإصراراً لافتاً على النجاح. إنهم الأمل، وهم مَنْ سيحملون مشاعل التطوير في مجتمعنا.

back to top