جزء آخر من الحس السليم الثوري*
بينما لا يزال يُنتظر أن تطال «ثورة الحسّ العام» التي يقودها الرئيس دونالد ترامب سياساته الجمركية، إلا أن ثمة تقدما ملحوظا على جبهة أخرى: تفكيك الأُسس القانونية التي دعمت لفترة طويلة فكرة أن الولايات المتحدة «عنصرية هيكليا» بطبيعتها.
ففي خطوة مفصلية، أصدر ترامب هذا الأسبوع أمرا تنفيذيا تحت عنوان: «استعادة تكافؤ الفرص والجدارة»، يقضي بإلغاء مبدأ «المسؤولية عن الأثر المتباين» Disparate-Impact Liability، وهو مبدأ قانوني لطالما استُخدم لفرض نتائج متساوية بين المجموعات العرقية والجنسية، حتى دون إثبات وجود نية تمييزية واضحة.
ينص الأمر التنفيذي على أن سياسة الولايات المتحدة تقتضي «القضاء على استخدام مبدأ الأثر المتباين في جميع السياقات الممكنة»، لأنه يتعارض مع الدستور والقوانين الفيدرالية ومُثل العدالة الأميركية. ويؤكد الأمر أن المساواة أمام القانون تعني تكافؤ الفرص، لا المساواة في النتائج، وتشجّع على الجدارة الفردية، لا المحاصصة العرقية أو الجندرية.
ويُبرز ترامب أن هذا المبدأ القانوني الخطير أجبر الشركات والمؤسسات التعليمية على التراجع عن معايير التوظيف والقبول الأكاديمي القائمة على الجدارة، خشية من التعرّض لدعاوى قضائية إذا اختلفت النتائج بين الجماعات العرقية، حتى وإن لم يكن هناك تمييز مباشر.
الكاتبة المحافظة هيذر ماك دونالد، أشادت بالأمر التنفيذي في مجلة سيتي جورنال، واصفة إياه بأنه «أهم خطوة لإعادة الجدارة إلى المجتمع الأميركي»، مشيرة إلى أن مبدأ «الأثر المتباين» استُخدم لتعطيل معايير الكفاءة لدى رجال الشرطة والإطفاء، والاختبارات التعليمية، وامتحانات ترخيص الأطباء، وحتى في التوظيف والتمويل العقاري.
كما لفتت ماك دونالد إلى أن هذا المبدأ القضائي لم يكن جزءا من قانون الحقوق المدنية لعام 1964، بل أُدخل لاحقا عام 1971 عبر حكم قضائي، حين أصبح إثبات التمييز المتعمّد أمرا صعبا سياسيا وقانونيا، وقالت: «كل ما فعله ترامب هو إعادة القانون إلى مقصده الأصلي، القائم على محاربة التمييز المتعمد فقط، لا الفوارق الناتجة عن عوامل أخرى».
ورغم ردود الفعل الغاضبة من اليسار، التي وصفته بـ«التحول الجذري في الفلسفة القانونية»، فإن مؤيدي القرار يرون أنه انسجام واضح مع الدستور الأميركي الذي ينص على المساواة أمام القانون، لا المساواة في النتائج.
من جهة أخرى، تناولت صحيفة واشنطن بوست القرار بتقارير اعتبرتها وول ستريت جورنال «رديئة ومضللة»، إذ زعمت خطأً أن الأمر التنفيذي يأمر المدعي العام بإلغاء أجزاء من قانون الحقوق المدنية، في حين أنه لا يملك هذه الصلاحية، بل يطلب فقط تعديل السياسات التنفيذية للتماشي مع القانون.
وفي سياق ذي صلة بما سمّته الصحيفة «ثورة الحسّ العام»، أطلق ترامب بيانا بمناسبة «يوم الشجرة» تحدث فيه عن أهمية الحفاظ على الغابات الأميركية، مشيرا إلى أن السياسات البيئية غير المسؤولة خلال السنوات الأخيرة ساهمت في اندلاع حرائق ضخمة، خصوصا في كاليفورنيا، دمرت ملايين الأفدنة وأزهقت أرواحا بريئة.
وأكد ترامب أن إدارته اتخذت خطوات لتعزيز الإدارة النشطة للغابات عبر إزالة الوقود النباتي الكثيف، وترشيد استغلال الموارد الخشبية، ودعم الصناعة المحلية التي تؤمن أكثر من 750 ألف وظيفة في قطاعات البناء والطاقة والصناعات التحويلية.
رسالة ترامب في الحالتين واضحة: العودة إلى المبادئ الأساسية الأميركية القائمة على الجدارة الفردية، والمساواة أمام القانون، لا أمام النتائج. فسواء في السياسات الاجتماعية أو البيئية، يسعى الرئيس الأميركي إلى فرض الواقعية، وتصفية الأيديولوجيا من مؤسسات الدولة.
* جيمس فريمان