في المرمى: أرسل كتاباً... تنحل المشكلة!

نشر في 25-04-2025
آخر تحديث 24-04-2025 | 20:12
 عبدالكريم الشمالي

مَن يراقب أداء الهيئة العامة للرياضة في الكويت لا يسعه إلا أن يتساءل: هل نحن أمام جهاز تنفيذي معني بتطوير الحركة الرياضية أم أمام مؤسسة توثيقية بارعة في إصدار التعاميم؟ فعلى الرغم من التحديات المتراكمة لا تزال الهيئة تمارس دورها بروح من يمسك بالريشة ليرسم خطوطاً جميلة على الورق فقط...

أما البيروقراطية، فهي هنا ملكة متوجة، فلا مشروع يُنفذ إلا بعد طواف إداري كامل يمر بجميع الأقسام واللجان والدوائر التي تتقن فن الإرجاء والتأجيل، والاجتماعات تتكرر، والمذكرات تتكدس، و«الموافقات» تنتقل ببطء كأنها شحنات دولية، فلا عجب أن مشاريع بسيطة تحتاج شهوراً لمجرد الحصول على توقيع، في حين أن الدول التي تتقدم رياضياً تبني ملاعب وتطور اتحادات في وقت أقصر من إعدادنا لمحضر اجتماع.

ففي الرياضة الكويتية يبدو أننا لسنا بحاجة لاستراتيجية أو خريطة طريق، يكفي أن تصدر الهيئة العامة للرياضة تعميماً شديد اللهجة، أو كتاباً يذكّر الجميع بالقوانين، ثم تعود المياه إلى مجاريها، ولو على الورق فقط.

الهيئة، التي يُفترض أن تكون المحرك الأساسي للنشاط الرياضي، باتت أقرب إلى قسم بريد سريع التفاعل، تطبع كتاباً رسمياً مع كل أزمة، وتكتفي بالتشديد على «عدم التصعيد» و«الالتزام بالقوانين»، وكأن الخلل في ارتفاع الأصوات، لا في عمق الفشل.

آخر «الإبداعات الورقية» كان كتاباً أو تعميماً ينبه الاتحادات والأندية إلى ضرورة احترام النظم، ومنع ما «يعكر صفو الساحة الرياضية»، وهي لهجة تبدو أقرب إلى نداء تهدئة في صالة انتظار منها إلى قرارات هيئة يفترض أنها تمثل الحكومة وتملك صلاحيات المراقبة والمحاسبة والتمويل.

لكن الحقيقة أن الهيئة نسيت أنها تمثل الحكومة، وأنها الممول والمراقب معاً، ولا يجوز أن تكون ناعمة في المواقف التي تتطلب حزماً، ولا مقيدة أمام من يحاول عرقلة العمل ويختبئ خلف ستار «الاستقلالية»، والخوف من التهديدات المبطنة باللجوء إلى المنظمات الدولية لا يجب أن يشل دورها، فالهيئة ليست ممولاً فحسب، بل ضامن لمصلحة عامة تستحق الحماية والرقابة.

ويمكننا القول بأن التعميم الأخير جاء ليؤكد أن الهيئة اختارت لنفسها دور «المنظّم الورقي»، لا المحرّك الرياضي، فبدلاً من أن تبادر برؤية إصلاحية أو خارطة طريق لنهضة الرياضة، اكتفت بإرسال إشارات هدفها كبح التوتر وامتصاص الغضب، في محاولة لكسب هدوء ظاهري على حساب واقع يحتاج إلى صدمة لا مسكّن.

المحزن أن ما أتحفتنا به الهيئة، في تعميمها، لا يحمل بين سطوره خطة أو رؤية، بل يكتفي بتذكيرنا بأن الأمور «تحت السيطرة»، وأن التعاون مع الهيئة يعني الالتزام بالقوانين والأنظمة واللوائح، وكأن المشكلة في النصوص وليست في التطبيق، أو كأن الأزمات الرياضية كلها ناتجة عن «سوء تفاهم إداري» يحتاج فقط إلى خطاب رسمي لتسويته!

ولعل أكثر ما يثير الدهشة، أن الخطابات الصادرة من الهيئة في أغلب الأحيان، تتناول «الشكل لا المضمون» فهي تتحدث عن التهدئة، التنسيق، التذكير، والالتزام، لكنها لا تتضمن أي توجيه حقيقي نحو خطة تطوير أو مبادرة عملية، وكأن الحلول تأتي عن طريق تجنب الضوضاء، لا عن طريق التحرك الفعلي، فتغيب المساءلة، وتغيب المعايير، ويبقى الخطاب الرسمي هو الإنجاز الوحيد القابل للنشر

ولا بد أن نقر أنه للأسف، أصبحت بعض الكيانات الرياضية أقوى من الجهاز المفترض أنه ينظّمها، فالاتحادات تُدار أحياناً كمزارع خاصة، والأندية كأنها شركات عائلية، بينما الهيئة تكتفي بدور «المتفرج الرسمي»، تنتظر كل أزمة لترد عليها بـ «كتاب»!

وإذا سألت: أين الخطط؟ أين المحاسبة؟ فستجد الإجابة مختبئة بين سطور الكتب: «جاري المتابعة»، «سوف يتم اتخاذ الإجراء المناسب»، أو العبارة الأثيرة: «نحن نهيب بالجميع ضبط النفس».

بنلتي

الرياضة عندنا لا تحتاج إلى خطاب جديد بقدر ما تحتاج إلى «إرادة جديدة»... تركض قبل أن تكتب!

وربما آن الأوان لنقول للهيئة: «الرياضة لا تُدار بالمراسلات... بل بالمواقف!».

back to top