المهفة التي كلفت الجزائر مليون قتيل

نشر في 25-04-2025
آخر تحديث 24-04-2025 | 18:02
 أنفال الذياب

«المهفة» باللهجة العامية الدارجة هي المروحة اليدوية التي كان يستعان بها قديماً لتلطيف الأجواء الحارة، فلم تكن البيوت والأماكن العامة تخلو من هذه الأداة الخفيفة الوزن والفعالة في نفس الوقت، وعلاوة على ذلك استخدامها في بعض الأحيان في مآرب أخرى... كالضرب وطرد الذباب.

نستنبط من هذا المفهوم أن «المهفة» في النهاية اسم بسيط لمعنى أبسط في محيطنا المحلي، غير أن دلالة هذا الاسم تختلف تماماً إذا ما انتقلنا لبلد مترامي الأطراف كالجزائر، فلم يكن مدلولها بهذه البساطة، فهناك ارتبطت هذه الأداة بذكرى تسلل الإمبريالية إلى أراضيها واحتلالها من قبل فرنسا على المدى الطويل وذلك في زمن كان الفكر الاستعماري يجوب أوروبا بكل نشاط وحيوية، حيث كانت زعامات القارة العجوز تستنهض شعوبها لتـبني هذا الفكر الذي له أبعاده السياسية والاقتصادية.

ففي النصف الأول من القرن الـ 19 يحدث أن وقعت حادثة المروحة في الجزائر، التي سرعان ما انتقلت أصداؤها إلى البلاط الفرنسي لتبيت في أحضانه كالفرصة الذهبية التي كان يجب على حكومة باريس أن تستغلها لترد اعتبارها وتعزز هيبتها كدولة مستعمرة ذات صيت واسع بين مثيلاتها الأخريات.

بدأت الحادثة عندما زار القنصل الفرنسي قصر الداي حسين (الحاكم العثماني للجزائر) على ضوء إحدى المناسبات التي حضرها لفيف من الدبلوماسيين، وحدث خلال هذا اللقاء أن انتهز الداي وجود القنصل ليذكره بضرورة تسديد فرنسا لجميع ديونها المستحقة عليها لمصلحة بلده، إلا أن الأخير لم يعجبه أسلوب الداي، مما جعل النقاش يحتدم بين الرجلين، ويسفر في نهايته عن تلويح الداي وهو في ثورة غضبه بمروحته التي كان يمسكها بيده ليصيب بطرفها القنصل الذي خرج من القصر مهدداً إياه بالويل والثبور، وعلى أثر هذه الحادثة تم إعلان الحرب على الجزائر، وبالفعل وصلت السفن الفرنسية قبالة السواحل الجزائرية وفرضت عليها حصاراً طويلاً لم يفض عن أي حلول سلمية رغم المفاوضات التي جرت بين الجانبين، الأمر الذي انتهى بانقضاض فرنسا على الأراضي الجزائرية وضمها لبقية المستعمرات لتستهل الجزائر من ذلك التاريخ رحلة كفاحها لمناهضة هذا الاستعمار، حيث قدمت في سبيل حريتها أكثر من مليون شهيد على مدى يفوق المئة عام، حتى نالت استقلالها في القرن العشرين.

back to top