ما الهدف من المدارس النظامية؟

نشر في 25-04-2025
آخر تحديث 24-04-2025 | 17:56
 د. محمد عبدالرحمن العقيل

كان التعليم في معظم أنحاء العالم نشاطاً غير رسمي قبل العصر الصناعي، وكان غالباً ما يُنظَّم في المساجد والكنائس والمعابد، أو من خلال التعليم المنزلي أو المهني. ولم تكن هناك حاجة مُلحَّة لمدارس رسمية تُلزم جميع الأطفال بالحضور يومياً وفق جدول زمني صارم. لكن تغيَّرت هذه المفاهيم مع بداية القرن التاسع عشر، عندما بدأت القوى الاقتصادية الجديدة البحث عن وسائل لتشكيل الإنسان بما يتناسب مع متطلبات السوق الصناعي.

يُجمع العديد من المؤرخين على أن «بروسيا» (ألمانيا الحالية) هي أول من طوَّرت نظاماً تعليمياً إجبارياً منظماً، يُعتبر النموذج الأولي لما يُعرف اليوم بالمدرسة النظامية الحديثة. وذلك بعد هزيمتها أمام نابليون في أوائل القرن التاسع عشر، قررت بروسيا تعزيز سُلطتها الداخلية، من خلال نظام تعليمي مركزي، يهدف إلى ثلاثة محاور رئيسية:

​• ​تكوين مواطنين مطيعين للدولة.

​•​ إنتاج جنود ومنفذين للقوانين.

​•​ تنشئة طبقة وسطى قادرة على إدارة البيروقراطية الحديثة.

وقد تم تنظيم المدارس البروسيَّة وفق نظام صارم، حيث كان المعلم يُعامل كضابط، وكان الطلاب كالمجندين بصفوف منظمة وفق أعمارهم، ويخضعون لجدول زمني دقيق، ويُقيَّمون باختبارات موحدة. وبعد ذلك انتقل هذا النموذج إلى الغرب الصناعي لاحقاً، وتبنت كل من بريطانيا، وفرنسا، والولايات المتحدة هذا النموذج، لعدة أسباب، منها:

​•​ إعداد عمال للمصانع، يتم تأهيلهم لاتباع الأوامر حرفياً، والحضور في مواعيد محددة يومياً، والانضياط بالوقت، وتحمُّل الروتين اليومي.

• ضبط النظام الاجتماعي للحد من «الفوضى الاجتماعية» الناتجة عن التحضُّر السريع، والهجرة من الريف إلى المدن الصناعية.

​•​ نشر القومية، وتعزيز الهوية الوطنية، فالمدارس كانت أفضل مكان لتلقين الطلاب الرواية الرسمية للدولة، والثقافة القومية، وتوحيد اللغة، مما جعلها أداة فعالة لبناء الدولة المركزية الحديثة.

وبحلول أوائل القرن العشرين أصبح هذا النموذج هو النموذج النظامي السائد في العالم، واستمر على هذا الحال مع بعض التعديلات، لأسباب عديدة، منها:

​•​ سهولة التنظيم والإدارة.

​• ​القابلية للقياس والتقييم (عبر الدرجات والامتحانات).

​•​ الدعم من قبل الحكومات والشركات الكبرى.

​• ​صعوبة تطوير بديل شامل يخدم ملايين الطلاب في وقت واحد.

وقد لاحظ المفكرون والنقاد، مثل John Taylor Gatto، أن هذا النموذج لم يتغيَّر كثيراً منذ نشأته، رغم تغيُّر العالم من حوله، مما جعله – في نظرهم – نظاماً وظيفته الحقيقية ليست التعليم وتنمية الإبداع، بل الإدارة والسيطرة.

عزيزي القارئ، إن فهم السياق التاريخي لنشوء المدارس النظامية يكشف لنا أنها لم تُصمم في الأصل لتطوير الإمكانات الفردية أو تنمية التفكير النقدي أو الإبداعي، ولا تهتم كثيراً بالتخصصات القانونية والفقهية أو الأدبية والفنية، بل كانت استجابة لحاجات الدولة الصناعية – حاجات تتعلق بالإنتاج، والانضباط، والطاعة العسكرية. ومع أن المدارس تطورت في بعض الجوانب، إلا أن كثيراً من بنيتها الجوهرية لا تزال تحمل نفس الملامح الأولية لنظام صُمِّم ليصنع «العمال الصالحين»... وفي مقولة أخرى: «المدارس تعلمنا كيف نصبح موظفين».

ختاماً، هذه ليست دعوة لهدم النظام التعليمي، بل هي لمحة مهمة لإعادة النظر في جذوره وأهدافه.

back to top