وجهة نظر: رفع التعريفة الجمركية قد يضاعف العجز التجاري ويضر الاقتصاد الأميركي!

نشر في 23-04-2025
آخر تحديث 22-04-2025 | 19:22
 د. أحمد الكواز

أشار الرئيس الأميركي الحالي، في كلمته أمام الكونغرس بتاريخ 5 مارس 2025، إلى عودة الولايات المتحدة America is Back، وتطرق أثناء الكلمة إلى فرض بلدان عديدة تعريفات جمركية مرتفعة على الصادرات الأميركية لبلدانهم، وسمّى في هذا المجال الهند، والاتحاد الأوروبي والصين والبرازيل والعديد من البلدان الأخرى، ووصف هذه الحالة بأنها غير عادلة بشكل كبير Very Unfair. وبناء على ذلك أعلن الرئيس الأميركي، في مؤتمر صحافي، شاركه فيه وزير التجارة، بتاريخ 3 أبريل 2025، فرض تعريفات جمركية على 180 بلدا ومنطقة في العالم.

وتبرر الإدارة الاقتصادية الأميركية الحالية السياسة التجارية القائمة على رفع التعريفة بدورها في خفض العجز التجاري بميزان المدفوعات، الذي وصل إلى 1.2 تريليون دولار عام 2024، وهنا يختلف أغلب الاقتصاديين مع هذا التوجه وتأثيره المتوقع على العجز المذكور. ولعل مصدر هذا التحفظ على العلاقة العكسية بين التعريفة والعجز (وفي حالة تحقق العلاقة فإنها ذات صفة مؤقتة في أفضل الأحوال) هو أنها تحمل في طياتها نتائج مضرة على الاقتصاد الكلي، منها ظهور الضغوط التضخمية، وخفض الإنتاجية، وزيادة في عوامل عدم التأكد Uncertainty، وارتفاع في معدل البطالة وأسعار الفائدة، واحتمال الدخول في مرحلة الكساد.

ومن ضمن الأسباب التي لا يساهم بها رفع التعريفة في خفض العجز التجاري هو أن التعريفة تميل الى المساهمة في رفع قيمة العملة المحلية (أي الدولار في الحالة الأميركية)، مما يجعل الصادرات أكثر تكلفة والواردات أقل تكلفة، نسبيا. وفي حالة انخفاض العجز فإنه مؤقت، حسب التجارب التاريخية. وفي الوقت الذي يساهم ارتفاع التعريفة في خفض الواردات فإنه يخفض، بنفس الوقت، عرض الدولار اللازم لتغطية قيمة الواردات. وهذا الخفض سيرفع قيمة الدولار الذي يحتاجه المصدرون الأجانب لشراء السلع الأميركية. وكنتيجة لذلك، لا تنكمش قيمة الواردات بالقيمة المتوقعة للتخلص من العجز، بسبب التعريفة فقط، في حين تنخفض الصادرات بنفس القيمة، تاركة العجز التجاري بدون تغيير.



وفي ظل هذه الآلية لعمل التعريفة ستنتج نتيجتان سلبيتان أساسيتان، هما: أولا، ارتفاع معدل التضخم المحلي، من خلال ارتفاع تكلفة المدخلات المستوردة المستخدمة في إنتاج السلع الأميركية المصدرة (ورغم وجود تأثير انكماشي على المصدرين، فإن تأثيره سيكون محدودا على الرقم القياسي لأسعار المستهلكين الأميركي، أي التضخم). أي أن التعريفة هي ذات طبيعة تضخمية على كل من السلع المستوردة، وعلى السلع القابلة للإحلال محليا. ثانيا، خفض الإنتاجية والدخل الحقيقي، وذلك من خلال أن التعريفة تساهم في تحويل الاستثمارات من الأنشطة التصديرية ذات الإنتاجية المرتفعة، الى تلك الأنشطة المحلية التي تحل محل الواردات والتي تتسم بانخفاض إنتاجيتها. لأنه مع مرور الوقت تقود السياسة الحمائية (رفع معدلات التعريفة) الى جعل الشركات الأميركية أقل تنافسية دوليا. الأمر الذي قد يؤدي إلى ظاهرة الكساد التضخمي Stagnation (أي تزامن التضخم والبطالة بنفس الوقت).

وفي حالة اتجاه البلدان الأخرى التي تم فرض تعريفة على صادراتها للولايات المتحدة (180 بلدا) للثأر الاقتصادي، من خلال رفع تعريفتها الجمركية ضد الواردات الأميركية (وهو الأمر الذي بدأ يتحقق فعليا)، فإن الاقتصاد الأميركي يمكن أن يواجه المزيد من الضغوط التضخمية، وعدم تغير في العجز التجاري.

أما في مجال السياسة النقدية فإن الرفع الواحد في التعريفة قد لا يقود الاحتياطي الفدرالي الى رفع سعر الفائدة (كما هو الحال عند الصدمة الأحادية لأسعار النفط). الا أن نضال الفدرالي خلال السنوات الثلاث الماضية لخفض التضخم، من خلال رفع أسعار الفائدة، قد يعرض مصداقيته للضغوط، في حالة استمرار الرفع في التعريفة وتأثيرها المضر على التضخم. وهو الأمر الذي قد يؤدي الى عودة أسعار الفائدة للارتفاع، وتأثير ذلك، سلبا، على الاستثمارات المحلية، ومن ثم على معدل البطالة، ومعدل النمو الحقيقي.

أخيرا، وليس آخرا، فإنه من دواعي الاستغراب ان تقود الصين، حاليا، سياسة اقتصادية تدعو الى «تحرير» التجارة الخارجية، وهي البلد ذو الإرث الاشتراكي القائم على التدخل المركزي في الحياة الاقتصادية، في حين تقود الولايات المتحدة، حاليا، سياسة اقتصادية تدعو الى سياسة تجارية (حمائية)، وهي الدولة ذات الإرث في الدعوة الى الحرية الاقتصادية، وتحرير التجارة الخارجية.

الخلاصة، أنه من صالح الاقتصاد الأميركي العودة عن السياسة التجارية القائمة على رفع التعريفة، وذلك لآثارها، المتوقعة، غير الطيبة وغير المحمودة على أداء الاقتصاد الكلي الأميركي، سواء على شكل ارتفاع في معدل التضخم، أو البطالة، أو أسعار الفائدة، أو العجز التجاري، أو الانخفاض في الاستثمارات المحلية وفي معدل النمو الحقيقي.

* دكتوراه في الاقتصاد من جامعة ويلز

back to top