في المرمى: الماضي الذهبي والحاضر المجهول

نشر في 21-04-2025
آخر تحديث 20-04-2025 | 20:48
 عبدالكريم الشمالي

في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، كانت الرياضة الكويتية تسير بخطى الواثق، تسبق غيرها وتُحاكى كنموذج في الإنجاز والتخطيط، ونحن هنا لا نتحدث فقط عن كرة القدم، رغم بريقها، بل عن أغلب الألعاب جماعية كانت أو فردية، كرة يد، وسلة، وطائرة، وألعاب القوى، والسباحة، والمبارزة، والاسكواش، إلخ إلخ... كل قطاع كان فيه من يرفع علم الكويت ويُحلق به في المحافل الدولية.

في الماضي كان الحديث عن الرياضة لا يحتاج إلى كثير من التجميل أو المبالغة، فالإنجازات كانت تتحدث عن نفسها، كؤوس إقليمية وقارية، مشاركات في كأس العالم، أندية تنافس خارجياً، ومدرجات تضج بالحياة، كانت الرياضة الكويتيّة «ذهباً خالصاً»، تتلألأ في عيون الجمهور وتدوّي في آذان الخصوم.

أما اليوم، فالوضع أقرب إلى لعبة «عماكور»... نحن نبحث عن إنجاز ولا نجد إلا تصريحات!

اليوم أشبه بحكاية «كان يا ما كان في قديم الزمان»، نرويها لأبنائنا وهم يظنون أننا نحكي عن أسطورة خيالية لا عن اسم كان يخشاه الكبار في الإقليم وآسيا وفي أغلب الألعاب. لقد تحوّلنا من صانع مجد إلى متفرج محترف على شاشات الآخرين، صرنا نعرف طرق التأهل لكأس العالم نظرياً، ونحفظ قوانين الاحتراف عن ظهر قلب... لكننا نُطبّق منها فقط ما يناسب القيلولة بين التدريبات.

كرة القدم؟ نعم في المجهول، لكن «السلة» هي الأخرى لم تعد تصوّب على أي شيء إلا الاجتماعات والمناصب، و«الطائرة» تحلق من دون أجنحة، وألعاب القوى تُمارس بدون مضمار، أبطال سابقون تحولوا إلى صور مؤطرة، وملف «الرياضة النسائية» دخل في سبات عميق منذ أول بطولة شاركت فيها دون جمهور.

وإن ظننت أن هناك مشروع تطوير حقيقي، فراجع معلوماتك، أغلب الاتحادات الرياضية تُدار بالعقلية القديمة نفسها: «أهم شيء حضور الاجتماعات والتقاط الصور». والاحتراف؟ مطبق شكلياً، أما فعلياً فاللاعب قد يكون موظفاً في الصباح، بائعاً أو مشهور تواصل اجتماعي في المساء، و«محترفاً» في نهاية الأسبوع، إذا لم تكن لديه عزيمة عائلية طارئة.

في الماضي، كانت الأندية مدارس تُخرّج المواهب، واليوم هي أشبه بصالونات سياسية مصغرة، صراعها على المناصب يفوق صراعها على الألقاب، والجماهير فقدت الشغف، لكنها لم تفقد الذاكرة وتقارن كل نجم سابق بمواهب حالية لا تجد من يطوّرها أو حتى يؤمن بها.

حتى الجهات الرسمية تتعامل مع الرياضة وكأنها نشاط ترفيهي، تأتي بعد أولويات «الشارع، والإنارة، وصبغ الأرصفة»، لا استثمار حقيقياً، ولا رؤية بعيدة المدى، والدعم الرسمي، مثل «حبة الفيتامين» يُعطى على فترات، ونتائجه غير مضمونة، وكل تصريح يبدأ بـ «نحن نؤمن بأهمية الرياضة»، وينتهي بعبارة «وفق الإمكانات المتاحة»، أي تلك التي لا تكفي لشراء أدوات تدريب في بعض الأندية! وكل موسم رياضي يبدأ بنفس الجملة «نتمنى التوفيق»، وينتهي بنفس الذريعة «ما عندنا ميزانية كافية».

بنلتي

نشتاق لماضينا، لا لأننا عالقون فيه، بل لأن حاضرنا بلا ملامح، لدينا بنية تحتية بحاجة لصيانة، ومواهب بلا بيئة، واتحادات بنفس الأفكار وطرق الإدارة حتى لو تغيرت الأسماء... ننتظر المستقبل ومن يدري؟ ربما في يوم من الأيام، يعود المجد، ليس بالحنين، بل بالتغيير الحقيقي «لو حصل».

back to top