رياح وأوتاد: هل الظلم بالسوية عدل في الرعية؟

نشر في 20-04-2025
آخر تحديث 19-04-2025 | 19:10
 أحمد يعقوب باقر

عند مناقشة بعض القضايا العامة المطروحة هذه الأيام، يردد البعض: «ظلم بالسوية عدل بالرعية»، فهل هذا المثل موافق للشرع الحنيف؟ وهل يجوز مثلاً كراهية أو ازدراء فئات كاملة بسبب أخطاء قلة أو فرد منها؟ وهل يصح حرمان عائلة كاملة من حقوقها بسبب خطيئة أحد أبنائها؟ وهل تجوز معاقبة كل الوافدين من جنسية معينة إذا خالفت مجموعة منهم القوانين؟ وهل نتخذ موقفاً من جميع المتجنسين والمتجنسات إذا نشرت الصحف فضائح من زوّر أو أساء منهم إلى الجنسية الكويتية؟ وهل نعاقب تجمعاً سياسياً كاملاً إذا انحرف أحدهم؟ وهل يجوز اتهام جميع أعضاء مجلس الأمة بأنهم فاسدون نتيجة لإساءة بعضهم؟

تنص المادة 33 من الدستور على أن «العقوبة شخصية»، ونصت المذكرة التفسيرية على أن هذه المادة تطبيقاً لقوله تعالى «ولا تزر وازرة وزر أخرى»، أي أن العقوبة تقع على شخص المسيء وحده ولا تعمم على غيره، لأن من الظلم أن توقع العقوبة على البريء، لأن الظلم ظلمات يوم القيامة، كما قال صلى الله عليه وسلم. وقد حرّم تعالى الظلم على نفسه وجعله محرماً بين الناس.

ومن المؤسف أنه لا يزال بعض الإسلاميين حتى اليوم يشنون حملة على ما اعتبروه خطأ «حماس» في شن هجوم السابع من أكتوبر، ويتناسون جرائم الصهاينة في الاحتلال والقتل والإبادة الجماعية، ولا يشنون حملة على الصهاينة تناسب هذه الجرائم، فهل تصرف «حماس» يبرر شرعاً وقانوناً معاقبة وإبادة جميع الفلسطينيين؟

ومن أجمل الأمثلة على حكم الإسلام في التفريق بين البريء والمسيء أن الله منع المسلمين من قتل الكفار في فتح مكة لأنه كان بين أظهرهم من المسلمين مَن يكتم إيمانه ويخفيه، فلو تم القتال وقُتل أحد المسلمين لأصاب الفاتحين إثم وغرامة. قال تعالى «وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ». وبيّن الله في نفس الآية أنه لو تم الفصل بين الفريقين لأمر بقتل الكفار «لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا» (الفتح).

إن الفصل بين المحسن والمسيء في كل فئة سواء من الكويتيين أو من الوافدين أو النواب أو المتجنسين هو حكم إسلامي أصيل، فلا يجوز أن تعمم العقوبة على البريء بجريرة المسيء، ولا يصح أن يقال الظلم بالسوية عدل بالرعية.

back to top