... حين تحترق الأسواق بنار الشعبوية!
ما فعله دونالد ترامب في أبريل 2025 ليس سياسة اقتصادية، بل مقامرة سياسية بوجه اقتصادي. هو إعلان حرب تجارية يرتدي عباءة «الاستقلال الاقتصادي»، بينما في الواقع يجرُّ الولايات المتحدة والعالم إلى حافة ركود جديد، كُله باسم «أميركا أولاً».
فرض رسوم جمركية بنسبة 10 في المئة على كل وارد، وبنسب أعلى تصل إلى 49 في المئة على مَنْ يرفض الانصياع، ليس سوى إطلاق رصاصة على الاقتصاد العالمي، ثم الادعاء بأنه يسمع صدى الدفاع عن العمال الأميركيين.
في الحقيقة، ترامب لا يدافع عن العامل، بل يصنع من الاقتصاد الأميركي رهينة لرؤى ضيقة لا ترى أبعد من جدران صناديق الاقتراع.
حين يرفع الرسوم على الصين إلى 125 في المئة، هو لا يهزم الصين، بل يجرِّب فشله السابق بأسلوب أكثر فوضوية. الصين ليست مجرَّد مصدر بضائع، إنها أكبر شريك تجاري، وأي صِدام معها هو صِدام مع المنطق، ومع الأسواق، ومع الواقع.
الأدهى من ذلك، فرض رسوم على دول عربية لم تكن أصلاً تنافس الولايات المتحدة، بل كانت تستهلك بضائعها! السعودية، الكويت، الإمارات، كُلها باتت تدفع ثمناً لسياسة لا تفهم إلا منطق التحدي، وليس التفاهم. وكأن ترامب أراد أن يُغلق أبواب العالم، ويصمّ أذنيه عن صرخات الاقتصاد.
الأرقام لا تكذب. تريليونات الدولارات طارت من الأسواق خلال أيام، وأسهم الشركات الكبرى نزفت، كما لو أن نذير حرب شاملة قد أُعلن. فهل هذه هي الطريقة التي تُصنع بها النهضة الصناعية؟ هل تنهض أميركا بإشعال النار في سلاسل التوريد العالمية؟
وما كان من ترامب إلا أن يتراجع مؤقتاً... 90 يوماً من التعليق المشروط. لكنه ليس تراجعاً عن الخطأ، بل محاولة لإعادة شحن بندقيته السياسية. وكأن الاقتصاد لعبة مساومة، وليس توازناً دقيقاً بين العرض والطلب، بين الإنتاج والاستهلاك.
نحن أمام رئيس يظن أن العالم ملعب، والاقتصاد سلاح تفاوض، والمستهلك الأميركي مجرَّد بيدق على رقعة الشطرنج.
فإلى أين تذهب هذه الرسوم؟ إلى الانكماش. إلى غلاء الأسعار. إلى اضطراب الأسواق. إلى قلق عالمي لا مبرر له سوى «أنا ترامب»، وليس «نحن الشعب».
لقد أشعل ترامب النار في حقل الاقتصاد العالمي، فهل كان يُدرك أن الرماد لا يصنع وطناً؟