اللغة العربية في عالم الغناء: يوري مرقدي نموذجاً

نشر في 18-04-2025
آخر تحديث 17-04-2025 | 17:32
 د. منيرة عبدالكريم العجلان

في زمنٍ كانت فيه الأغنية العربية تدور في فلك الكلمات المتكررة والألحان التقليدية باستخدام اللهجات العربية المختلفة، ظهر يوري مرقدي كظاهرة لا تشبه أحداً، بأغنيته الشهيرة «عربي أنا»، معلناً ولادة صوت جديد، ليس فقط غنائياً بل لغوياً وفنياً. فجأة، أصبحت اللغة العربية، كما لم نعرفها من قبل، جذابة، عصرية، ومليئة بالحياة.

يوري لم يكتفِ بالغناء، بل أعاد تشكيل مفهوم الأغنية العربية، فمزج بين العامية والفصحى، والحداثة والأصالة، وخلق لغة جديدة يتحدثها جيل الميلينيالز ولن يفهمها جيل التيك توك. كلماته بسيطة ولكنها ذكية، موسيقاه تجريبية ولكنها مألوفة، وصور كليباته كانت صادمة أحياناً ولكنها دائماً ساحرة. هو لم يشابه السوق، بل صنع سوقه الخاص.

ما قد لا يعرفه الكثيرون، أن يوري مرقدي لم يكن فقط مغنياً، بل كان صوتاً يحمل هوية عربية معاصرة. في كل أغنية، كان يقول لنا: «العربي مش لازم يكون تقليدي»، و«نقدر نكون عالميين بلغتنا وهويتنا». لذلك، كنت ومازلت من عشاقه الحقيقيين، وأول من آمن بأن ما يقدّمه هذا الفنان هو أكثر من مجرد موسيقى، بل رسالة.

واليوم، في زمن الفيديوهات السريعة والذائقة المتقلبة، تبقى أغاني يوري مرقدي صامدة. لأن الفن الحقيقي لا يُنسى، ولأن من يخلق لغة جديدة، يخلّد اسمه في الذاكرة... والقلوب.

في عالم الأغنية العربية، يوري مرقدي كان ولا يزال حالة خاصة. فلم يقدّم صوتاً جديداَ أو «ستايل» مختلفاًَ، بل أعاد استخدام اللغة العربية في الغناء، وبكلمات أغانيه، أخذ العربية من إطارها التقليدي، وأدخلها في عالم التشبيه.

يوري مرقدي كتب وغنى بكلمات فيها استعارات غير معتادة، مثل «لن أقتل التنين» حيث يحوّل مشاعر الصراع الداخلي إلى قصة خيالية، فيها رمز ومعنى، وكأن الحب معركة أسطورية لا يُنتصر فيها. وفي واحدة من أرقى جُمله الغنائية: «ماذا أقول لأذني إن سالت فمي عنك؟»، يرسم صورة حسّية للحنين، بدون تصنع، بكلمات تلمس قلب كل مشتاق.

لم يكن هذا الأسلوب تمرّداً على السائد، بل هو إعلان عن هوية فنية جديدة، فيها جمال وذائقة في استخدام المفردات، وفيها احترام لذوق المستمع وفضوله.

يوري يعتبر ثورة ناعمة في الكلام، والصورة، والموسيقى. واليوم، ورغم تغيّر الأذواق والمنصات، تظل أغانيه في أذني لأنها ببساطة... فريدة.

back to top