وجهة نظر: حين تُسوّق الأزمة كخطة: دروس في القيادة الاقتصادية من الاستعراضات السياسية
في الفيلم السياسي «علامتنا التجارية هي الأزمة» الذي عُرض عام 2015، لم تكن القصة تدور فقط حول انتخابات بوليفيا، بل كانت درساً في كيفية استغلال الخوف، وعدم الاستقرار، والأزمات كرسالة رابحة. الشخصية الرئيسية لا تعد بالتقدم والتطور، بل بالسيطرة. وهكذا، تصبح الأزمة هي العلامة التجارية.
اليوم، وبعد ما يقرب من عقد من الزمان، قفزت هذه الاستراتيجية من الشاشة إلى الحكم، وهذه المرة في قلب الاقتصاد الأميركي.
تقديم الأزمة كقوة
كما فعل مستشارو الحملات الانتخابية في ذلك الفيلم، يحوّل القادة الاقتصاديون المعاصرون حالة عدم اليقين إلى وقود للرسائل الإعلامية. نحن نشهد صعود ما يمكن تسميته بـ «العلامة التجارية للأزمة»: رسوم جمركية واسعة النطاق، وتبدلات سياسية مفاجئة، وسرديات حمائية تُقدَّم كتحركات جريئة، لكنها تُخفي في جوهرها حُكماً ارتجالياً. الخطاب صاخب، والتحركات حادة، لكن النتائج أقل بكثير من المأمول.
الأرقام تروي قصة مختلفة
إذا استبعدنا العناوين السياسية، فإن البيانات تتحدث بوضوح:
- ارتفع عائد سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات إلى 4.516 في المئة في أبريل 2025، في أعلى قفزة أسبوعية منذ عام 2001، مدفوعاً جزئياً بتراجع الطلب من المستثمرين الأجانب.
- تراجع مؤشر ثقة المستهلك إلى 92.9، بينما هبطت التوقعات إلى 65.2، وهي مستويات تعكس شعوراً بالركود.
- انخفض مؤشر S&P 500 بنسبة 10 في المئة في مارس، بعد أن خفّضت Citi تصنيفها للأسهم الأميركية وسط مخاوف تتعلق بالسياسات والتجارة.
- تراجع مؤشر الدولار الأميركي بأكثر من 7 في المئة خلال شهرين فقط، في أسوأ انخفاض له منذ عام 2002.
- ضعف الطلب على مزادات سندات الخزانة، مما أجبر المتعاملين على استيعاب المزيد من الديون في ظل تراجع المشترين الدوليين.
هذه ليست شائعات سياسية، بل ردود فعل من الأسواق، تُقاس لا بالتصفيق، بل بعلاوات المخاطر، وفروق العوائد، وإعادة التخصيص.
الكلفة الحقيقية
يقوم المستثمرون العالميون بإعادة تقييم مواقفهم. صناديق الثروة السيادية تقلّص انكشافها على الأصول الأميركية. الشركاء التجاريون يبحثون عن تكتلات بديلة. والشركات الأميركية الكبرى بدأت بالفعل دفع ثمن عدم اليقين الناتج عن السياسات:
- خسرت شركة بوينغ طلبية كبرى من الصين بقيمة 4 مليارات دولار، مع تحوّل شركات الطيران الصينية نحو إيرباص.
- تواجه نيفيديا خسائر تصل إلى 5.5 مليارات دولار في مبيعات الرقائق الإلكترونية، بسبب القيود المفروضة على الصادرات إلى مشترين صينيين في قطاع الذكاء الاصطناعي مثل «علي بابا» و«بايت دانس».
- قد ترتفع أسعار «آيفون» بنسبة 70 في المئة بسبب تعرفة جمركية مقترحة تبلغ 145 في المئة، مما يهدد بخسائر بمليارات الدولارات في السوقين الأميركي والصيني.
- تواجه «نايكي» و«ستاربكس» تصاعداً في حملات المقاطعة والتباطؤ في الصين، مما يهدد أكثر من 3 مليارات دولار من الإيرادات السنوية المشتركة.
هذه ليست تكاليف نظرية، بل تآكل فعلي في ثقة الأعمال العالمية وقوة الصادرات الأميركية.
العناوين لا تبني اقتصادات
الأسواق، على عكس الناخبين، لا تستجيب للعواطف. إنها تُسعّر وفقاً للأساسيات، لا للمشاعر. وفي السياق الراهن، فإن الإشارات الأساسية واضحة: الثقة هي التي تُفرض عليها الضرائب، لا السلع فقط.
لقد حذَّرَنا فيلم «علامتنا التجارية هي الأزمة» من هذا، عندما تعطي السلطة الأولوية للصورة على حساب التخطيط، تكون النتيجة هشاشة مؤسسية. وهذا ما نشهده اليوم، لا على طريق حملة انتخابية خيالية، بل في صميم عمل البنوك المركزية، وسلاسل الإمداد، والميزانيات التجارية.
الكلفة الصامتة: الهشاشة كخطر وطني
قد تُقدَّم الرسوم الجمركية على أنها «مؤيدة للعمال»، لكن آثارها اللاحقة تؤدي إلى التضخم. فهي ترفع تكاليف الإنتاج، وتُضعف كفاءة سلاسل التوريد، وتستفز إجراءات انتقامية، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار داخلياً وتراجع الفرص خارجياً.
فهل يتم خلق الوظائف كما وُعِد بها؟ هل الأسعار في انخفاض؟ هل الأسر من الطبقة المتوسطة أكثر أماناً؟ وهل يعاود المستثمرون العالميون ضخ الأموال؟ الواقع حالياً يشير إلى الاتجاه المعاكس.
ما الذي تتطلبه القيادة الحقيقية؟
لم يعد الأمر يتعلق بالعروض الاقتصادية الاستعراضية، بل بالمسؤولية في رعاية الاقتصاد. فالنظام الاقتصادي العالمي ليس منبراً للخطابة، بل منظومة دقيقة تعمل على المصداقية، والثبات، والتعاون.
وربما أهم درس في الأسابيع الأخيرة هو الآتي: يجب ألّا يُسمح للعروض السياسية المحلية بأن تزعزع استقرار التجارة العالمية. ما قد ينجح في صياغة رواية داخلية، قد يُكلّف البلاد كل شيء على المستوى الدولي.
لقد آن الأوان لقادة العالم أن يتبنوا عقيدة جديدة ترفض إغراء خلط الاستراتيجية الانتخابية بالنظام الاقتصادي العالمي، فبينما قد تسعى الأجندات المحلية إلى التصفيق، فإن الأسواق الدولية تتطلب الانسجام.
من العلامة إلى الخطة
المستقبل لن يكون لأولئك القادرين على تضخيم الأزمة، بل لأولئك القادرين على بناء الثقة، والاستقرار، والتقدم بهدوء. قد تربح الأزمة كاستراتيجية لحظة، لكن الاستقرار كسياسة هو وحده القادر على كسب المستقبل.
* عبدالله حسن ثاكور هو الرئيس التنفيذي لشركة «دو كابيتال في سي»، ومحاضر زائر في ريادة الأعمال، ومؤسس «الغرفة الإسلامية العالمية للتجارة والصناعة» عبر الإنترنت. وهو أيضاً متحدث عالمي في مجالات الاستراتيجية وتطوير الشركات الناشئة، ويُعرف برؤاه في الاقتصاد وبناء منظومات أعمال مبتكرة، أخلاقية، وقابلة للتطوير.