هل يصبح النفط مخزناً للثروة مثل الذهب؟

نشر في 16-04-2025
آخر تحديث 15-04-2025 | 18:18
 عبدالرحيم ثابت المازني

عرض الأستاذ هاني توفيق المفكر الاقتصادي المصري فكرة استغلال فرصة نزول أسعار البترول والشراء في الوقت الحالي بالعقود الآجلة... فهل هذا مكسب أم مخاطرة...؟

لطالما احتفظ الذهب بمكانته كأصل استراتيجي يُخزَّن في البنوك المركزية كضمان للاستقرار النقدي ومخزن للقيمة بأوقات الأزمات. ومع تفاقم التحديات الاقتصادية العالمية وتراجع الثقة في الأسواق، يطرح البعض تساؤلاً جريئاً: هل يمكن أن يُعامل النفط يوماً كمخزن للثروة على غرار الذهب؟

تأتي هذه الفرضية في وقت دقيق، حيث يُواجه الاقتصاد العالمي تباطؤاً واضحاً، وتواجه الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة أزمة سيولة تهدد استقرار النظام المالي، مما دفع بعض البنوك المركزية، مثل البنك المركزي الفنزويلي والمركزي الأرجنتيني، إلى بيع جزء من احتياطاتها الذهبية، بحسب تقارير حديثة من بلومبيرغ (Bloomberg. 2024).

رغم تقلباته النسبية، لا يزال الذهب يُعد الملاذ الآمن الأول. ووفقاً لتقرير صندوق النقد الدولي (IMF. 2023)، فإن الطلب على الذهب لدى البنوك المركزية العالمية بلغ أعلى مستوياته خلال العقود الأربعة الأخيرة، وهو ما يعكس استمرار ثقة المؤسسات في الذهب كوسيلة تحوط من التضخم، والأزمات، وتراجع العملات الورقية.

في المقابل، النفط... فرصة أم فخ؟

في ظل انخفاض أسعار النفط العالمية، خصوصاً بعد تباطؤ الطلب من الصين، وتضارب قرارات «أوبك+»، يرى بعض المستثمرين أن شراء عقود آجلة للنفط قد يكون وسيلة لتخزين المال وتحقيق أرباح لاحقة.

لكن هذه الفرضية تحمل مخاطر استراتيجية واضحة:

النفط أصل استهلاكي متقلب

تقرير وكالة الطاقة الدولية (IEA. 2024) أكد أن الطلب على النفط سيبدأ في التراجع الفعلي بحلول 2030، مع تصاعد الاتجاه العالمي للطاقة النظيفة، وهو ما يجعل مستقبل النفط محفوفًا بالضبابية.

على عكس الذهب، الذي يُخزّن في خزائن صغيرة وبتكلفة ضئيلة، يتطلب تخزين النفط بنية تحتية ضخمة وتكاليف تشغيل مرتفعة، فضلًا عن مخاطره البيئية.

النفط لا يُعد أصلاً نقدياً أو معياراً لحفظ القيمة، إذ لا يُستخدم في التبادل أو التسعير النقدي، كما أن تقلباته اليومية تُفقده صفة الاستقرار الضرورية لأي «مخزن ثروة».

وفقاً لبيانات الاحتياطي الفدرالي الأميركي، فإن الولايات المتحدة تُعاني من تزايد في نسب الدين العام وتقلص في الاحتياطي النقدي، مما دفع بعض التحليلات – مثل تقرير فوربس (Forbes.، 2024) – للتحذير من احتمال الضغط على الأسواق العالمية للذهب والنفط معاً من أجل توفير سيولة سريعة.

يتميّز الذهب بثبات قيمته، واعتماده كأداة سيادية في الاقتصاد العالمي، بينما يظل النفط سلعة متقلبة ترتبط بأسواق الطاقة والاستهلاك والصراع الجيوسياسي. وبالتالي، فإن تحويل النفط إلى مخزن للثروة أشبه ما يكون بـ«المغامرة»، خاصة في توقيت حساس يشهد: توتر الأسواق وتراجع الإنفاق الاستثماري وتصاعد التحول للطاقة البديلة وتخبّط السياسات النقدية الكبرى.

في زمن تحتاج فيه الدول إلى أصول آمنة تحفظ لها القيمة، يظل الذهب هو الخيار الأكثر عقلانية واستقراراً. أما تخزين النفط بهدف التحوط أو حماية الأموال، فهو ليس سوى رهان على مستقبل غير مضمون، وقد تكون تكلفته أكبر بكثير من مردوده.

*باحث دكتوراه تخطيط استراتيجي واقتصاد تعليم

back to top