هل تستطيع إيطاليا مقاومة حنينها للوقود الأحفوري؟

نشر في 29-12-2022
آخر تحديث 28-12-2022 | 20:31
في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت إيطاليا من بين الدول الرائدة في الكهرباء، ومن أوائل الدول التي تخلت عن المشتقات البترولية لمصلحة الميثان الأنظف والأكثر فعالية، وأمام الإيطاليين اليوم فرصة لإحياء هذا التقليد والتحول إلى أكثر أشكال الطاقة المتاحة تقدماً وفعالية، وأقلها تكلفة... المصادر المتجددة.
 بروجيكت سنديكيت

في مواجهة أزمة الطاقة في أوروبا، يواجه القادة السياسيون والاقتصاديون في إيطاليا، وهي ثالث أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، قوتين متعارضتين، فمن جهة، هناك خوف من التغيير، مما يدفع صانعي السياسات إلى العودة إلى الحلول القديمة المتمثلة في الحفر، وإنشاء أنابيب غاز ومولدات غاز جديدة، وبذل الجهود لتأمين الهيدروكربونات في إفريقيا والشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، هناك حاجة للابتكار في مجال صناعة الكهرباء وجميع قطاعات المجتمع، التي ترى أن هذه الأزمة إشارة واضحة على انتهاء عصر الوقود الأحفوري.

وتعكس الآراء المتضاربة للمؤسسة السياسية والاقتصادية الإيطالية الانقسامات داخل المجتمع الإيطالي، إذ يُظهر استطلاع حديث ل SWG (للفريق العامل المعني بالدراسات الاستقصائية) أن النقاش بشأن قضايا الطاقة نادرا ما يعتمد على أدلة قاطعة، بل على التحيزات والتصورات التي ترتبط بالعمر أكثر من الانتماء السياسي، ويبدو أن الإيطاليين الذين تزيد أعمارهم على 55 عاما حبيسو الماضي، فعلى سبيل المثال، يعتقد 33 في المئة منهم أن الطاقة المتجددة لم تتجاوز أبدا 10 في المئة من إجمالي إنتاج الكهرباء في إيطاليا، واقترب 7.5 في المئة فقط من هذه المجموعة من الرقم الحقيقي: اليوم، تنتج إيطاليا ما يقارب 40 في المئة من الكهرباء باستخدام مصادر متجددة، والشباب أقل من 24 عاما هم أكثر اطلاعا في هذا المجال، إذ يقَيِّم 22 في المئة منهم مساهمة مصادر الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء تقييما صحيحا، وهي نسبة أعلى ثلاث مرات مقارنة مع الفئات الأخرى.

وفي عام 2014، سجلت إيطاليا أيضا ولفترة وجيزة الرقم القياسي العالمي في استخدام الطاقة الشمسية، الذي كان يمثل في ذلك الوقت 8 في المئة من إجمالي استهلاك الكهرباء في البلاد، وفي العام نفسه، كانت إيطاليا من بين أولى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي التي حققت أهداف الانتقال التي حددها الاتحاد الأوروبي لعام 2020، وقد فعلت ذلك قبل التاريخ المحدد بوقت طويل، ولكن استطلاع الفريق العامل المعني بالدراسات الاستقصائية أظهر أن 94 في المئة من الإيطاليين ممن تتجاوز أعمارهم 55 عاما لا يعرفون ذلك، بل على العكس، فهم يعتقدون أن إيطاليا أخطأت في تحقيق الأهداف.

وعلى الرغم من هذه النجاحات المبكرة، تراجعت إيطاليا إلى المرتبة 12 بين دول الاتحاد الأوروبي في إنتاج الكهرباء باستخدام الطاقة المتجددة، ومن حيث الكفاءة، لا تزال إيطاليا تتصدر قائمة الاقتصادات الكبرى في القارة من حيث الطاقة المستهلكة لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي، لكن ميزتها التنافسية آخذة في التقلص، إذ في عام 1995، كان الاقتصاد الإيطالي أكثر كفاءة من نظيره في الاتحاد الأوروبي بنسبة 32 في المئة، وبحلول عام 2019، تراجع هذا الهامش إلى 11 في المئة.

إيطاليا تحاول حالياً استبدال الغاز الروسي بإمدادات من دول غير مستقرة يعاني العديد منها صراعات عنيفة

ويُظهر استطلاع الفريق العامل المعني بالدراسات الاستقصائية أن الإيطاليين الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما أكثر توافقا مع الحقائق التكنولوجية للقرن الحادي والعشرين، وهم الأكثر اطلاعا على مصادر الطاقة المتجددة، وأكثر المؤيدين حماسةً للانتقال إلى الطاقة الخضراء، ولكن عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم على 55 عاما يتجاوز عدد الأشخاص الذين ينتمون إلى «جيل الطاقة المتجددة»، ونظرا لكونهم نشأوا في العصر الذهبي لتقنيات الوقود الأحفوري، فهم لا يعرفون الكثير عن مصادر الطاقة المتجددة، ومن المرجح أن يستهينوا بعوائدها، ويبالغون في تقدير تكاليفها.

ولا يزال من السابق لأوانه التكهن بالطريقة التي ستوفق بها الحكومة الجديدة بين وجهات النظر المتناقضة، ففي الوقت الحالي، يبدو أن الحنين إلى الوقود الأحفوري والرغبة في إبطاء انتقال الطاقة قد ساد، ولكن إيطاليا لديها خطة إحياء صناعي لم تنتج مثلها منذ عقود، وفي حين روجت خطة «مارشال» بقيادة الولايات المتحدة للهيدروكربونات ولتزويد جيل طفرة المواليد في الخمسينيات من القرن العشرين، فإن خطة انتقال الطاقة الجديدة لبناء أنظمة نقل وإسكان وإنتاج فعالة تتكامل مع المحيط الحيوي والغلاف الجوي هي ملكنا، فنحن من صممها ونحن من سيستفيد منها.

ومن حيث التكلفة الموزونة للطاقة، فإن مصادر الطاقة المتجددة هي أقل المصادر المتاحة تكلفة، وما سيكلف أكثر هو الاستثمار الأولي في البنية التحتية، ثم بعد ذلك يصبح المصدر- الماء أو الشمس أو الرياح أو الطاقة الحرارية الأرضية- مجانيا، وبالطبع يتطلب الانتقال أيضا مواد خاما وشركاء أعمال موثوقين لتزويدنا بهذه المواد، وقدرة صناعية على تصنيع الشفرات، والألواح، ووحدات التحكم، والشبكات، ولكن إيطاليا لديها كل ما تحتاجه لمواجهة هذا التحدي، إذ باعتبارها ثاني أكبر مصنع في الاتحاد الأوروبي، فهي لا تفتقر إلى القدرة الإنتاجية، وسيُقلَّص الاعتماد على المعادن والأتربة النادرة من خلال تقنيات إعادة التدوير المحسّنة، وهو قطاع تحتل فيه إيطاليا الصدارة أيضا.

وأبرزت أزمة الطاقة كيف أن أنظمة الطاقة القائمة على الوقود الأحفوري تخلق الاعتماد على الدول البترولية، التي يمكنها بعد ذلك ابتزاز البلدان الأخرى من خلال التهديد بوقف ضخ الغاز، وتحاول إيطاليا حاليا استبدال الغاز الروسي بإمدادات من دول غير مستقرة يعاني العديد منها الصراعات العنيفة، ومن خلال القيام بذلك، يمكن أن تصبح إيطاليا المحور الجديد لحركة الغاز عبر البحر الأبيض المتوسط، كما كانت أوكرانيا فيما يتعلق بتوصيل الغاز من روسيا إلى أوروبا، فهل هذا حقا ما يريده الإيطاليون؟

في الماضي، تبنت إيطاليا الابتكار في مجال الطاقة بحماس، ففي أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، كانت من بين الدول الرائدة في الكهرباء، ومن أولى الدول التي تخلت عن المشتقات البترولية لصالح الميثان الأنظف والأكثر فعالية، وأمام الإيطاليين اليوم فرصة لإحياء هذا التقليد والتحول إلى أكثر أشكال الطاقة المتاحة تقدما وفعالية، وأقلها تكلفة: المصادر المتجددة. ولاغتنام هذه الفرصة يتعين على شباب إيطاليا توعية آبائهم.

* جيانلوكا روجيري

مهندس بيئي وباحث في الفيزياء التقنية البيئية في قسم العلوم النظرية والتطبيقية، في جامعة «إنسوبريا»، ومؤسس «Ènostra»، وهي تعاونية لمنتجي الطاقة المتجددة ومستهلكيها.

back to top