وجهة نظر:الدَّين العام وتمويل التنمية الاقتصادية

نشر في 13-04-2025
آخر تحديث 14-10-2025 | 20:04
 فيصل تركي المتروك

تُعرف الأدبيات الاقتصادية الدَّين العام بأنه إجمالي المبالغ التي تقترضها الحكومة من مصادر داخلية أو خارجية لتمويل النفقات العامة. علماً بأن اللجوء إلى الدَّين العام يرتبط غالباً بعجز الإيرادات (مثل عائدات النفط والايرادات غير النفطية) عن تغطية تلك النفقات.

قد يتساءل البعض: لماذا تلجأ الحكومات في الدول التي تتمتع بوفرة مالية مثل دولة الكويت إلى الاقتراض؟ والحقيقة أن اللجوء إلى الدَّين العام في هذه الحالات لا يكون بسبب نقص الموارد، وإنما لأسباب استراتيجية أخرى أهمها تمويل مشروعات تنموية ذات عوائد مستقبلية تساهم في تعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي في الدولة.

فالاقتراض، حتى في ظل الوفرة، قد يكون وسيلة فعّالة لدعم النمو الاقتصادي، وتوزيع الأعباء المالية على فترات زمنية أطول، وتجنّب استنزاف الاحتياطيات النقدية في أوقات الأزمات أو التقلبات الاقتصادية. وبالتالي، يعد الدَّين العام أداة مالية مهمة في السياسة الاقتصادية لإدارة الموارد وتحقيق الأهداف الاستراتيجية للدولة.

وبشكل أكثر تفصيلاً، يمكن تحديد أبرز أسباب اللجوء إلى الدَّين العام في الكويت بالرغم من الوفرة المالية، ورغم أنها تتمتع باحتياطيات مالية ضخمة من خلال الصندوق السيادي للدولة في النقاط التالية:

1. تنويع مصادر التمويل حيث إن الاعتماد الكلي على النفط يُعرض الاقتصاد لتقلبات الأسعار في حين أن الدَّين العام يُعد أداة لخلق مصادر تمويل بديلة بدلاً من الاعتماد الكلي على الإيرادات النفطية، مما يسهم في تحقيق استقرار مالي في أوقات انخفاض أسعار النفط وتأثيرها المباشر على الإيرادات الحكومية.

2. تمويل المشاريع التنموية الكبرى مثل مشاريع البنية التحتية (مطار جديد، مدن سكنية ذكية، شبكات مواصلات، ميناء مبارك، مشروع سكة الحديد، مدن عمالية وغيرها) والتي تتطلب استثمارات ضخمة قد لا تغطيها الإيرادات النفطية قصيرة الأجل، دون التأثير على الاحتياطيات السيادية أو استنزافها.

3. إدارة السيولة للمشاريع المحلية من خلال توفير سيولة إضافية، مما يسهم في تسريع تنفيذ المشاريع ويعزز النمو الاقتصادي المحلي.

4. تعميق السوق المالي من خلال إصدار سندات حكومية، والتي تُعد إحدى أدوات الدَّين العام، مما يسهم في تنشيط سوق المال المحلي وتشجع القطاع الخاص على الاستثمار.

5. إمكانية تمويل التزامات طويلة الأجل من دون الحاجة للضغط على الإنفاق الجاري مثل التزامات بند الرواتب والدعم الحكومي، مما يحافظ على استدامة المالية العامة دون الحاجة إلى خفض الإنفاق على الخدمات الأساسية.

6. زيادة كفاءة إدارة التدفقات النقدية حيث يسمح الدَّين العام بتمويل النفقات قبل تحصيل الإيرادات النفطية، خاصة في ظل التذبذب المستمر في أسعار النفط.

والسؤال الملحّ حالياً، هل تحتاج الكويت إلى الدَّين العام في الوقت الراهن؟ والجواب هو نعم، لكن بحذر حيث تشير البيانات المالية للدولة إلى توفر فائض مالي أعلى نسبياً بين دول الخليج (بحسب صندوق النقد الدولي)، لكن الدَّين العام يمكن أن يكون أداة استراتيجية لتعزيز الاستدامة المالية. علماً أن الحكومة قد أصدرت سندات بقيمة 20 مليار دولار في السنوات الأخيرة رغم وجود احتياطيات، مما يدل على توجه لتنويع مصادر التمويل. وحالياً، الكويت ليست في حالة عجز قد يستدعي الاقتراض الإجباري، لكنها قد تلجأ إليه كخيار استباقي.

علماً بأن التوجه نحو الدَّين العام كخيار استراتيجي يجب أن يراعي بعض المخاطر المحتملة، وأهمها الانتباه إلى إمكانية تراكم الدَّين العام إذا لم يُدر بعناية وحصافة اقتصادية، مما قد يجعله عبئاً على الأجيال القادمة، خصوصاً في حال ارتفاع أسعار الفائدة العالمية. لذلك، فإن التوجه نحو الدَّين العام يجب أن يكون مدروساً بعناية، بحيث يُستخدم كأداة لتعزيز آليات دعم النمو الاقتصادي.

وختاماً، فإن دولة الكويت لا تحتاج أن تستخدم الدَّين العام لسد عجز فوري، لكنه قد يكون أداة مفيدة لتعزيز الاستدامة المالية للاقتصاد الكويتي، وتمويل مشاريع تنموية ضخمة، وتقليل الاعتماد على النفط. كما أن الاستخدام الحكيم للدين العام يكون من خلال تحديد سقف واضح للالتزامات المالية وخطة تنموية طموحة تشتمل على مشاريع مدرّة للدخل وتحسين مستوى الكفاءة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية، حيث يمكن أن تساهم المشاريع المقترحة في دعم الاقتصاد دون مخاطر كبيرة.

back to top