جيل Z

نشر في 13-04-2025
آخر تحديث 12-04-2025 | 18:01
 فوزية أبل

هل نحن أمام جيل جديد أم أمام ثورة فكرية واجتماعية تغيِّر شكل العالم؟ هل هو الجيل الأكثر وعياً وانفتاحاً أم الأكثر اضطراباً وانعزالاً؟ ولماذا يبدو أن جيل Z لا يتبع القواعد التي اعتدنا عليها، سواء في العمل، التعليم، أو حتى العلاقات الاجتماعية؟

دائماً ما أسأل نفسي هذه الأسئلة، منذ أن كثر الحديث عمَّا يُعرف بالجيل Z ومتطلباته، فهذا الجيل، الذي وُلد في أوج التحوُّلات الرقمية، لا يعرف عالماً بلا إنترنت، ولا يؤمن بالمفاهيم الجامدة التي كانت سائدة في الأجيال السابقة. فكيف يفكر؟ وما الذي يجعل التعامل معه تحدياً حقيقياً؟

تخيَّل أن تعيش حياتك بالكامل أمام شاشة لا تكل ولا تمل، وتجد في عالمك الافتراضي ملاذاً آمناً يشكِّل عالمك الخاص.

هذا هو واقع جيل Z. فوسائل التواصل الاجتماعي ليست مجرَّد أداة ترفيهية بالنسبة لهم، بل هي منصة للتعبير عن الذات، بناء العلاقات، وحتى ممارسة العمل.

ومع ذلك، تشير الأبحاث إلى أن هذا الجيل يعاني معدلات أعلى من القلق والاكتئاب، مقارنة بالأجيال السابقة. فهل جعلتهم التكنولوجيا أكثر عُزلة، بدلاً من أن تقرِّبهم من بعضهم البعض؟

وإذا أردت معرفة المزيد عن هذا الجيل، فعليك أن تراقب معايير النجاح بالنسبة له، ففي قاموسه لم يعد النجاح مرتبطاً بالشهادات الجامعية. في زمن الدورات التعليمية عبر الإنترنت، الشركات الناشئة، والعمل الحُر، لم تعد الوظائف الحكومية والمكاتب التقليدية جذابة كما كانت من قبل. بل إن كثيرين من هذا الجيل يتجهون نحو العمل في مجالات لم تكن موجودة قبل 10 سنوات، مثل صناعة المحتوى الرقمي، والذكاء الاصطناعي، والعملات المشفَّرة.

وهذا الجيل أيضاً لا يرى العالم مقسَّماً إلى دول وحدود سياسية، كما كانت الأجيال السابقة. منصات، مثل: تيك توك، وإنستغرام، جعلت الشاب في الشرق الأوسط يتابع ويؤثر على شاب في أوروبا أو أميركا الجنوبية. لكن في المقابل، لم يعد للقيم التقليدية نفس التأثير القوي. ولم يعد الإعلان التلفزيوني أو اللافتات في الشوارع تُقنع جيل Z. فهذا الجيل لا يثق بالإعلانات المدفوعة، بل يعتمد على تجاربه الخاصة أو توصيات المؤثرين الذين يتابعهم. والعلامات التجارية الكبرى تجد نفسها مُجبرة على التكيُّف مع هذا التغيير، ولم يعد المستهلك السلبي الذي يتلقى الرسائل موجوداً، بل حلَّ محله مُستخدم نشط، يسأل، يقارن، وينتقد.

وفي رأي جيل Z ليس كل مشكلة يجب حلها، بل فرصة يجب فهمها. فالتعامل مع هذا الجيل يتطلب إعطاء مساحة للتعبير، فهم لا يقبلون الأوامر دون نقاش، ويبحثون عن منصات تتيح لهم التعبير عن آرائهم بحُرية. والتكنولوجيا بالنسبة لهم ليست رفاهية، بل أسلوب حياة، فإذا أردت الوصول إليهم، فعليك أن تفهم لغتهم الرقمية.

وأيضاً التحلي بالمرونة في التعليم والعمل، فلم يعد المسار التقليدي هو الحل الوحيد، بل يجب التفكير في نماذج جديدة تناسب أساليب التعلم الحديثة وسوق العمل المتغيِّر. إلى جانب إعادة التفكير في القيم والتواصل، فهذا الجيل بحاجة إلى حوار حقيقي، وليس مجرَّد خطابات تقليدية لا تتناسب مع واقعه المتسارع.

وأخيراً، يبقى السؤال الأهم: هل نحن مستعدون للتغيير، أم أننا سنظل نحاول فرض قواعد قديمة على جيل لا يعترف بها؟

back to top