ما قل ودل: من الإرساليات التبشيرية للاستعمار القديم إلى استعمار يرتدي مسوح الرهبان (1)
إعلان ترامب الحرب
الحرب كوسيلة لحماية المصالح الاقتصادية أو حسم الخلاف حولها أو توسيع نفوذ دولة على حساب دول أخرى أو توسيع نفوذها.
وقد توصل رجال القانون الدولي إلى معاهدة دولية عام 1907 اشترطت توجيه إنذار مسبق واضح في صورة إعلان معلل بالحرب أو توجيه إنذار نهائي يتضمن إعلاناً مشروطاً باللجوء للقتال.
وكان القصد من هذه المعاهدة أن يسبق الحرب إعلان المجابهة العسكرية ضد دولة أو مجموعة من الدول نتيجة خلاف دولي خطير تعذّر حسمه بالوسائل السلمية، ويصدر هذا الإعلان على شكل إخطار بالحرب أو إنذار نهائي يذكر فيه اعتبار الحرب قائمة إذا لم تجب الدولة أو الدول التي وجه إليها الإنذار طلبات الدولة التي وجهته لإعطاء الأولى فرصة أخيرة لتلافيها واللجوء للوسائل السلمية لحل النزاع.
يُذكر أن إسرائيل لم تلتزم بهذه المعاهدة في حروبها الخاطفة مثل (1956و1967)، وأن ألمانيا النازية واليابان لم تلتزما بهذه المعاهدة في الحرب العالمية الثانية.
التعريفات الجمركية
وتتمثل التعريفات الجمركية، التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على كل دول العالم – عدا إسرائيل الحليف الاستراتيجي لأميركا والمنفذ لأعمالها القذرة حسب ما وصف به هذه الأعمال وزير الشؤون الاستراتيجية بحكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية معترفاً بأن إسرائيل تنفذ أعمال أميركا القذرة، في مقال له على صفحات مجلة وول ستريت الأميركية.
(لطفاً يرجى الرجوع إلى مقالنا المنشور على هذه الصفحة يوم 12/ 12/ 2024).
ذلك أن هناك مشروعاً أميركياً صهيونياً للهيمنة على الأمة العربية والإسلامية عبر التهجير وعبر التطبيع، وما سيصاحبهما من تغيير هوية المجتمعات العربية والإسلامية الثقافية والدينية لفرض الوصاية على قراراتها ومواردها وثرواتها، ومن المعلوم أن أطماع إسرائيل تجاوزت هذه الهيمنة إلى توسيع رقعتها الاستيطانية من النيل إلى الفرات بدءاً بفلسطين، وهو الأمر الذي لا يعني أميركا بالضرورة لأن ما يعنيها هو الهيمنة الاقتصادية وليس احتلال الأرض بجيوشها، ولا يعني اقتراح ترامب سوى تهجير شعب غزة صاحب الأرض إلى الشتات لتحويلها إلى مشروع استثماري أميركي، فترامب رجل أعمال وأموال لا رجل حروب واحتلال أراضٍ قد تكون كلفته عالية بشرياً ومادياً على أميركا، في مشروعه الاستثماري العالمي لتعود أميركا غنية من جديد، وهو مشروع كانت نواته الأولى في برنامج الرئيس الأميركي الأسبق ويلسون مطلع عام 1918 المكون من أربع عشرة نقطة، التي يدعو فيها إلى حرية التجارة والملاحة كبديل للحروب الاستعمارية المسلحة التي خاضتها الدول الاستعمارية الكبرى في الحرب العالمية الأولى في سباق التسليح والتنافس على توسيع رقعة مستعمراتها وترتب على هذه الحرب سقوط أربع إمبراطوريات استعمارية (ألمانيا والنمسا- هنغاريا والروسية والعثمانية) وهو البديل الذي نفذه الرئيس الأميركي الأسبق ترومان عندما قام وشركاؤه الحلفاء المنتصرون على النازية والفاشية واليابان في الحرب العالمية الثانية، في ميثاق الأمم المتحدة، بإنشاء نظام عالمي جديد، تسيطر وتهيمن فيه الدول الاستعمارية، على قرارات هذا النظام، من خلال:
1- تقرير حق كل منها في نقض قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي تمثل العالم كله، (حق الفيتو).
2- تقسيم فلسطين لتكون وطناً لليهود ولتكون أول دولة تعترف بها الأمم المتحدة ومجلس الأمن فور قيامها، لتنفذ الأعمال القذرة للاستعمار الجديد ولتكون خنجراً في قلب الوطن العربي والأمة الإسلامية لمنع نهوض هذه الأمة مرة أخرى بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية، وتابع تنفيذ هذا البرنامج الرؤساء الأميركيون المتعاقبون، إلى أن جاء ترامب، ليعلن حرباً عالمية اقتصادية على العالم كله، بما في ذلك شركاء الأمس في الاستعمار الجديد.
ارتداء الاستعمار مسوح الرهبان
وإذا كان الاستعمار القديم، القائم على احتلال الأراضي قد استخدم الإرساليات الأجنبية، لتعزيز قدومه إلى البلاد التي يزمع احتلالها، وإلى تعزيز وجوده فيها، من خلال تغيير هويتها، واستعمارها ثقافياً، فإن الاستعمار الجديد، القائم على الهيمنة على اقتصاديات العالم وثرواته، مع إبقاء الدول النامية صاحبة هذه الثروات غير قادرة على التقدم أو التنمية الصناعية أو الزراعية لتصبح أسواقاً لمنتجاته، وتتمثل مسوح الرهبان الذي ارتداه الاستعمار الجديد فيما يلي:
أولاً: تصفية الاستعمار القديم.
ثانياً: ارتداء عباءة نشر الديموقراطية في العالم والاعتراف بحقوق الإنسان.
ثالثاً: إنشاء صندوق النقد الدولي لإقراض الدول النامية لتحقيق تنميتها في إطار تقسيم العمل الدولي بين الدول العظمى؛ لتصبح قادرة على تقديم مشروعات البنية التحتية مجاناً لمشروعات هذه الدول.
رابعاً: فرض حضارة التكنولوجيا العالمية الجديدة التي تسمح بدخول وخروج الأموال بالمليارات في ومضات سريعة على شاشات الكمبيوتر بعد تغيير الهوية الثقافية للشعوب ووضع الحضارة الإنسانية في متاحف التاريخ. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.