إلى جنات الفردوس بإذن الله أخي الغالي أبا حازم
جاءني اتصال من ابنه البكر حازم، مساء يوم الأحد 23 رمضان، يُخبرني بأن أباه سقط في مسجد الفارس الملاصق لجمعية ضاحية عبدالله السالم، فقد كان قلبه مُتعباً. ولمَنْ لا يعرف هذا المسجد، فإن رواده معظمهم من عُمَّال الجمعية، وهو مسجد صغير.
سقط بعدما كسر صيامه بتمرة، وتوجَّه إلى المسجد لصلاة فريضة المغرب، فاتصلوا بسيارة الإسعاف، وكانت الوجهة طوارئ مستشفى الأميري، وكُنت معهم هناك، فقد كانت فترة سقوطه ثم محاولة إسعافه في المستشفى لم تتجاوز الثلاث ساعات، ليُبلغنا الأطباء بأن ساعة رحيله أزفت، وكأنه يقول لا أريد أن أُتعب أحداً، فقد رحل بمنتهى الهدوء، كما هو كذلك في مشوار حياته.
تشاركنا في مسيرة طويلة منذ الصغر عندما كُنا أطفالاً في منطقة الصالحية بجبلة في مدرسة المثنى الابتدائية، ثم انتقلنا إلى مدرسة الشامية المتوسطة، وعندما انتقلت عائلة الجارالله للسكن في منطقة كيفان صِرنا في ثانوية كيفان، بل حتى في الجامعة اخترنا كلية التجارة والاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة الكويت، وقد سبقني بثلاث سنوات، لأنه يكبُرني بالسن، وتخصص في العلوم السياسية، في حين اخترت أنا لاحقاً علوم الإدارة.
لقد كان في شبابه قومياً ناصرياً مُمتهناً للسياسة منذ صِغره، لذلك كان اختياره لتخصص علوم سياسية في الجامعة، وبعد التخرُّج التحق بكادر وزارة الخارجية، لأن هذا التخصص يُشبِع رغبةً وشغفاً لديه، وقد عَمِل في وزارة الخارجية منذ بداية السبعينيات، ولمدة خمسين عاماً، حتى تقاعد قبل ثلاث سنوات.
بدأ حياته الوظيفية سكرتيراً ثانياً بسفارة الكويت في بيروت، وكان سفير الكويت في لبنان آنذاك، المغفور له، بإذن الله، محمد العدساني، والذي كان مدرسة تبنَّى «بوحازم»، رحمة الله عليه، وزميله الأخ أحمد الفهد، وكان ذلك بداية السبعينيات، ثم تدرَّج في الوظائف، فكان مديراً لإدارة مجلس التعاون، ثم وكيلاً لوزارة الخارجية، وأخيراً نائباً لوزير الخارجية.
كانت لديه مَلَكَة، بل يمكن أن تكون خبيئة حفظها له رب العالمين، وهي مساعدة الآخرين، فقد كُنت - بحُكم وظيفتي بالهيئة العامة للاستثمار - أمثِّل الحكومة في مجالس إدارات شركات عديدة، وكثيراً ما يتم التنسيق بيننا لمساعدة أناسٍ كُثر، فكان في كل مرةٍ إذا اتصل بي يبدأ اتصاله بمقولة «تبي نتشارك في الأجر»، فأفهم بعدها أنه يريد مساعدة آخرين.
الموت حق، لكن المُصاب جلل، «إنا لله وإنا إليه راجعون»، ولا نقول إلا كما قال نبينا الكريم، صلى الله عليه وسلم، إن القلب ليحزن، وإن العين لتدمع، وإنا لفراقك يا أبا حازم لمحزونون.